للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١ - إن الإنجاب لا يتأتى في مجتمع الإسلام إلا عن طريق النكاح الشرعي، والنكاح تسري عليه الأحكام الخمسة، الوجوب والحرمة، والكراهة، والندب والإباحة، والشروط التي يكون فيها الزواج فرضا تجعل هذه الحالة هي الشذوذ لا القاعدة العامة، فلا يكون الزواج كذلك عند الحنفية إلا أن يتيقن الشخص الوقوع في الزنا إذا لم يتزوج (ولا يكفي مجرد الخوف من الوقوع في الزنا) ، وأن لا تكون له قدرة على الصيام الذي يكفه عن الوقوع في الزنا، وألا يكون قادرا على اتخاذ أمة يستغني بها وأن يكون قادرا على المهر والإنفاق من كسب حلال لا جور فيه، فإن لم يكن قادرا لا يفرض عليه الزواج حتى لا يدفع محرما بمحرم. والمذاهب الثلاثة الأخرى قريبة من ذلك (١) ، بل إن الشافعية قد قالوا: (إذا كان قادرا على مؤونة النكاح وليست به علة تمنعه من قربان الزوجة - فإن كان متعبدا - كان الأفضل له أن لا يتزوج كيلا يقطعه النكاح عن العبادة التي اعتادها (٢)

والمقصود الأصلي من الزواج ليس الإنجاب وإنما أن تكون المرأة سكنا للرجل ويكون الرجل سكنا لها، كما قال تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: ٢١] .

ولذلك فقد أفتى بعض العلماء بأنه لا يجوز إجراء الكشف قبل الزواج للاطمئنان على قدرة الزوجين على الإنجاب (٣) ؛ لأن ذلك مخالف للغرض الإسلامي من الزواج وهو أن يسكن الرجل إلى المرأة وتسكن إليه ويكون بينهما مودة ورحمة.

٢ - لا يكون التحريم إلا بنص أو قياس على منصوص، والقول بتحريم الحد من زيادة السكان ليس منصوصا عليه وليس له أصل واحد يقاس عليه، بل الأصل الذي يمكن أن يقاس عليه هو النكاح، والقياس على هذا الأصل يقول بالإباحة لا بالتحريم. فإذا جاز ترك النكاح وهو الأصل ألا يجوز ترك الإنجاب وهو النتيجة؟ وكما لا يجوز تحريم الزواج بتشريع لا يجوز تحريم الإنجاب بتشريع.

٣ - لم يبح الإسلام الزواج إلا لمن كان قادرا على نفقاته والقيام بواجباته من رعاية للزوجة والإنفاق عليها.. إلخ. وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)) وقد ذكر ابن تيمية رحمه الله أن (استطاعة النكاح هي القدرة على المؤونة وليس القدرة على الوطء فإن الحديث إنما هو خطاب للقادر على فعل الوطء ولهذا أمر من لم يستطع الباءة بالصوم فإنه له وجاء) (٤) . فالقدرة الاقتصادية لازمة التوفر حتى تكون مؤسسة الزواج ذات جدوى وثمرة مفيدة للفرد والمجتمع.


(١) انظر الجزيري، عبد الرحمن، الفقه على المذاهب الأربعة ج ٤ ص ٤ – ١١
(٢) الجزيري مرجع سابق ج ٤ ص ٧
(٣) من فتوى للشيخ إسماعيل الدفتار الأستاذ بجامعة الأزهر منشورة في العدد ١٤٧ من مجلة المسلمون بتاريخ ٦ / ٤ / ١٤٠٨ الموافق ٢٧ / ١١ / ١٩٨٧ ص ٤
(٤) ابن تيمية، أحمد، مختصر الفتاوى المصرية، القاهرة، مطبعة المدني، سنة ١٤٠٠ ص ٤١٥

<<  <  ج: ص:  >  >>