للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد سبق أن بينا أن الإسلام. يرغب في الزواج ويأمر به ويمتن على المسلمين بشرعه قال تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (١) .

ومن أغراض الزواج تكوين الأسرة وإيجاد النسل، والولد من نعم الله تميل إليه الفطرة السليمة وهو في الآن نفسه زينة الحياة الدنيا، لذلك كان العزل والفرار من الحمل انحرافا عن الفطرة السليمة.

وإذا كان العزل مكروها عند هؤلاء الفقهاء، فإن مذهب ابن حزم من الظاهرية يحرم العزل كما جاء في المحلى (٢) : قال: لا يحل العزل عن حرة ولا عن أمة مستدلًّا بحديث جذامة بنت وهب على أن الرسول لما سئل عن العزل قال: " ذاك الوأد الخفي ": قال إنه خبر في غاية الصحة وساق حديث أبي سعيد الذي قال فيه رسول الله: " لا عليكم أن لا تفعلوا " وقال: إن الذين احتجوا بأخبار أخرى لا تصح؛ لأن خبر جذامة بنت وهب يعارضها جميعا ثم قال: إن كل شيء أصله الإباحة لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} وعلى هذا كان كل شيء حلالا حتى نزل التحريم قال تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} فصح أن خبر جذامة بالتحريم هو الناسخ لجميع الإباحات المتقدمة، وهو أمر متيقن؛ لأنه إذا أخبر عليه السلام أنه الوأد الخفي والوأد محرم فقد نسخ الإباحة المتقدمة بيقين، فمن ادعى أن تلك الإباحة المنسوخة قد عادت، وأن النسخ المتيقن قد بطل فقد ادعى الباطل وأتى بما لا دليل له عليه ورد كلام ابن حزم بأن ادعاء النسخ يحتاج فيه إلى معرفة تاريخ الناسخ وحيث إن التاريخ غير معروف فلا يصح ادعاء النسخ.


(١) سورة الروم الآية ٢١
(٢) المجلد السابع ج ١٠ ص ٧٨ المسألة ١٩٧

<<  <  ج: ص:  >  >>