للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ذكر الإمام الشوكاني أنه يمكن أن يخرج الحديث على أن يقال إن (لا) زائدة فيكون المعنى نفي الحرج عن الفعل؛ لأن (لا) كثيرا ما تزاد في أساليب العرب لذا اقتضى السياق ذلك، نظير ذلك قوله تعالى: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} والمعنى ليعلم أهل الكتاب.

ويؤيد هذا الاتجاه ما ذكره محمد بن خلفة الأبي (١) . في كتابه إكمال الإكمال بعد أن أورد وجهين في فهم الحديث قال والمعنى: لا جناح عليكم في أن تفعلوا العزل.

ويقول ولي الله الدهلوي (٢) . في قول الرسول ((ما عليكم ألا تفعلوا)) يشير إلى كراهية العزل من غير تحريم والسبب في ذلك أن المصالح متعارضة فالمصلحة الخاصة بنفسه قد تدعوه إلى العزل والمصلحة النوعية ألا يعزل لتحقيق كثرة الأولاد وقيام النسل، والنظر إلى المصلحة النوعية أرجح من النظر إلى المصلحة الشخصية في عامة أحكام الله تعالى التشريعية والتكوينية، فالقضية في نظره لا تزيد على أن يكون العزل خلاف الأولى.

وقال ابن قيم الجوزية في إعلام الموقعين (٣) . في حديث جابر بن عبد الله الذي قال: كنا نعزل والقرآن ينزل: إن ما فهمه جابر هو كمال فقه الصحابة وعلمهم واستيلائهم على طرق معرفة الأحكام ومداركها. وهذا يدل على أمرين:

١ - أن أصل الأفعال الإباحة، ولا يحرم منها إلا ما حرمه الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.

٢ - أن علم الرب تعالى بما يفعلون في زمن شرع الشرائع ونزول الوحي، وإقراره لهم عليه، دليل على عفوه عنه.

ويقول الإمام الشوكاني في حديث جابر (٤) . في قوله: والقرآن ينزل: فيه جواز الاستدلال بالتقرير من الله ورسوله على حكم الأحكام، لأنه لو كان ذلك الشيء حراما لم يقروا عليه.


(١) إكمال الإكمال هو شرح أكمل به الأبي شرح القاضي عياض لكتاب المعلم بفوائد مسلم لمؤلفه محمد بن علي التميمي المشهور بالإمام المازري دفين المنستير
(٢) حجة الله البالغة ج ٢ ص ٧٠٦
(٣) الجزء الثاني ص ٤٣٨
(٤) نيل الأوطار للشوكاني ج ٦ ص ٣٤٧

<<  <  ج: ص:  >  >>