للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال القاضي عياض (إن كثيرا من الصحابة والتابعين أجازوا العزل استنادا إلى حديث جابر) ، ومهما يكن من أمر فإن المسافة بين المانعين والمجيزين لا تتعدى حدود الكراهة، فالمانع يقول بالكراهة، والمجيز يقول بأن العزل هو خلاف الأولى وهو كذلك إذا لم يكن هناك داع.

ويعبر عن هذا المعنى الإمام النووي في شرحه على مسلم فيقول: إن هذه الأحاديث التي استدل بها المانعون مع غيرها من الأحاديث التي أفادت الإباحة، يجمع بينها أن ما ورد في النهي محمول على الكراهة التنزيهية، وما ورد في الإذن محمول على أنه ليس بحرام، وليس معناه نفي هذه الكراهة التنزيهية.

ويؤيد هذا الاتجاه الإمام الغزالي في آداب معاشرة النساء (١) . حيث يقول (وأما الكراهية فإنها تطلق لنهي التحريم ولنهي التنزيه ولترك الفضيلة وهو مكروه هنا بالمعنى الثالث) .

ثم يقول: (وإنما قلنا لا كراهية بمعنى التحريم والتنزيه لأن إثبات النهي إنما يمكن بنص أو قياس على منصوص، ولا نص ولا أصل يقاس عليه، بل ههنا أصل يقاس عليه وهو ترك النكاح أصلا أو ترك الجماع بعد النكاح أو ترك الإنزال بعد الإيلاج، فكل ذلك ترك للأفضل وليس بارتكاب نهي.

لذلك فإن المجيزين لمنع الحمل يردون على المانعين ويؤولون كل النصوص التي يستشهدون بها وقالوا في قوله صلى الله عليه وسلم: ((تناكحوا تكثروا)) الحديث: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذا في أول الإسلام، وفى فترة كان المسلمون فيها قلة، وكانوا بحاجة أن يكونوا كثرة نامية للوقوف في وجه أعدائهم الكثيرين على أن الرسول عندما يفاخر لا يفاخر بالكم وحده بل إنه يقرن الكم بالكيف وهو القائل: ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف)) وهو الذي نزل عليه قوله تعالى: {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ} .


(١) إحياء علوم الدين ج ٤ ص ١٥٠

<<  <  ج: ص:  >  >>