للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالشريعة أيضا لا تعجبها الكثرة الهزيلة ولا تقيم لارتفاع نسبتها في التعداد وزنا إذا لم تكن مؤهلة للقيام بمسؤلياتها، ويشير إلى هذا ما صح في دلائل النبوة عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: ((توشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: لا بل أنتم كثيرون ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، قال قائل: وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت)) .

وتحتج فئة أخرى بقوله عز وجل: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} فيكون الله متكفلا برزق جميع خلقه، ولا يتنافى هذا مع الأخذ بالأسباب، قال في تفسير المنار (١) : (قد أعطى كلا منها خلقه المناسب لمعيشته ثم هداه إلى تحصيل غذائه بغريزته) ثم قال (وليس معناها أن الله جعل لكل دابة من كل نوع أن يخلق لها ما تتغذى به، ويوصله إليها بمحض قدرته وإنما معناها: خلقه تعالى لكل منها الرزق الذي تعيش به، وأنه سخره لها وهداها إلى طلبه وتحصيله) .

ولقد جعل الإسلام من الزواج مسئولية مادية ومعنوية تجاه الزوجة والأولاد، وقد نص صراحة على أنه إذا تعذر على الرجل القيام بأعباء الزوجية أو يجد في ذلك حرجا فإنه مطالب بألا يقدم على الزواج. قال تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} سورة النور [٣٣] .

وروى البخاري ومسلم عن علقمة رضي الله عنه قال: واللفظ لمسلم (٢) . كنت أمشى مع عبد الله بمنًى فلقيه عثمان رضي الله عنهما فقام معه يحدثه، فقال له عثمان: يا أبا عبد الرحمن: ألا نزوجك جارية ثانية لعلها تذكرك بعض ما مضى من زمانك؟ قال: فقال عبد الله: لئن قلت ذلك: لقد قال لنا صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)) .


(١) المنار ج ١٢ ص ١٣
(٢) حديث ٧٩٤ مختصر صحيح مسلم كتاب النكاح ص ٢٠٧

<<  <  ج: ص:  >  >>