وهناك واقع مرير للسياسة الأمريكية والأوروبية الاقتصادية.. وهى قذف آلاف الأطنان من الحبوب والبيض والفواكه في المحيطات والبحار، لأنها زائدة عن حاجة الأسواق العالمية التي تصدر إليها أمريكا وأوروبا إنتاجها الغذائي، ولو كان لهؤلاء الناس المستعمرين كما يزعمون بعض المشاعر الإنسانية لتصدقوا بهذا الفائض من إنتاجهم على الجياع في أفريقيا من شيوخ ونساء وأطفال.
وهكذا تبطل حجة المنادين بتحديد النسل، وتسقط دعواهم بأن الإنتاج الغذائي لا يكفي سكان العالم.
ومن العجيب المريب: أنه في الوقت الذي ينادي فيه بعض الخبراء الاقتصاديين الغربيين الذين تبعثهم بعض الدول الكبرى - تحت ستار المساعدات الاقتصادية لبعض دول أفريقيا - بضرورة التشجيع على زيادة السكان الأفريقيين لأن بلادهم حديثة عهد بالاستقلال السياسى والتنمية الصناعية ولأن الإنتاج الاقتصادى يحتاج إلى أيد عاملة وفيرة - في هذا الوقت بالذات يكرر المستر (مكنمار) مدير البنك العربي الدولي الذي يتولى إعطاء القروض الربوية لتلك الدول الأفريقية المتطلعة إلى الازدهار الاقتصادي - يكرر الدعوة في تقرير له - عام ١٩٦٩ - إلى المسارعة لحل مشكلة زيادة السكان في هذه الدول، ويصفها بأنها أكبر عائق للتقدم الاقتصادى والاجتماعى لأغلبية شعوب العالم غير المتطور!
وتكرار (مكنمار) لدعوته إلى مقاومة زيادة السكان في الدول الشرقية النامية برهان جديد على أهداف الغرب الاستعمارية من وراء فكرة تحديد النسل، وقد بدأ التخطيط لتحقيق الفكرة منذ رحل الاستعمار الغربي العسكري والسياسي عن بلدان الشرق في آسيا وأفريقيا، حيث لاحظ الغرب المستعمر زيادة عدد السكان المستمرة بين الشرقيين، وتعذر بقائهم محكومين أبدًا للغربيين، وبخاصة بعد تدرب الشرقيين على الآلات الميكانيكية وإلمامهم بالعلوم الفنية.