أما إذا كانت هناك أسباب صحية تدعو إلى وقف التناسل في حالات فردية خاصة.. كأن تكون الأم لا تقوى على الحمل المتواصل لضعفها أو مرضها، أو أنها تحتاج عند كل وضع إلى شق بطنها لإخراج الجنين منه، وهو ما يفضي بها مع التكرار إلى ضرر شديد أو موت مؤكد، وما يشبه ذلك من أخطار وأضرار فردية.. فإن التشريع الإسلامي - في أصوله وقواعده الحكيمة الرحيمة - يأمر بمنع الضرر من ناحية، ويبيح المحظور للضرورة من ناحية أخرى.
وهناك مسوغ آخر لتنظيم فترات النسل (أو الحمل) وهو رغبة الأبوين في إحسان تربية كل مولود ورعايته حتى يبلغ السادسة من عمره فيدخل المدرسة، وتتفرغ الأم عندئذ لمولود جديد.. ففي هذا الانتظار بين طفل وطفل - لا شك - مصلحة ظاهرة للآباء والأبناء معا.
وقد جاءت بعض الآثار عن الصحابة الأجلاء رضي الله عنهم أنهم كانوا يعزلون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينههم عن (العزل) وإنما وجههم وجهة إيمانية يقينية بأن الله تبارك وتعالى إن يشأ يثبت الحمل مهما عزلوا أو يمنعه مهما اتصلوا فهو القادر على كل شيء وهو الفعال لما يريد.
وهذه (القدرة والمشيئة) اللإلهيتان المطلقتان اللتان لفت الرسول عليه الصلاة والسلام إليهما أصحابه الذين كانوا يعزلون عن نسائهم طلبا لعدم الحمل - ما زالتا تتجليان على مدى الدهر فنحن نرى ونسمع أن امرأة تستعمل الأدوية المانعة للحمل فتحمل رغم أنفها وأنف زوجها، وأن أخرى لا تستعملها ولا تحمل على كره منها ومن زوجها، وصدق الله القدير الحكيم فيما قال - عز وجل -.
على أنه يجب أن نلاحظ أن العزل الفردي الذي كان يمارسه الصحابة إنما كان لأسباب فردية ومؤقتة منها: خشية أن تحمل الأمة، أو خشية أن تستحق الأمة إقامة دائمة إذا صارت أم ولد أو خشية أن يتعرض الرضيع للضرر إذا حدث الحمل أثناء الرضاعة.