للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آراء الفقهاء في منع الحمل

سبق أن قلت: إن الفقهاء اختلفوا في منع الحمل إلى أربعة آراء وهذه نصوص كلام القائلين بالإباحة لذلك.

الشافعية

قال الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين (١) عند الكلام عن آداب المعاشرة الجنسية: ومن الآداب أن لا يعزل، بل لا يسرح إلا إلى محل الحرث وهو الرحم، فما من نسمة قدر الله كونها إلا وهي كائنة، هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن عزل فقد اختلف العلماء في إباحته على أربعة مذاهب، فَمِن مبيح مطلقًا بكل حال، ومن محرم بكل حال (٢) ومن قائل يحل برضاها ولا يحل دون رضاها (٣) وكأن هذا القائل يحرم الإيذاء دون العزل، ومن قائل: يباح في المملوكة دون الحرة، والصحيح عندنا أن ذلك مباح، وأما الكراهية فإنها تطلق لنهي التحريم ولنهي التنزيه ولترك الفضيلة فهو مكروه بالمعنى الثالث، أي فيه ترك فضيلة، كما يقال: يكره للقاعد في المسجد أن يقعد فارغا لا يشتغل بذكر أو صلاة، ويكره للحاضر بمكة مقيمًا أن لا يحج كل سنة، إلى أن قال: وليس هذا أي العزل كالإجهاض والوأد؛ لأن ذلك جناية على موجود حاصل، وله أيضًا مراتب وأول مراتب الوجود أن تقع النطفة في الرحم، وتختلط بماء المرأة، وتستعد لقبول الحياة، وإفساد ذلك جناية، فإن صارت علقة ومضغة كانت الجناية أفحش، وإن نفخ فيه الروح واستوت الخلقة ازدادت الجناية تفاحشًا، ومنتهى التفاحش في الجناية بعد الانفصال حيا. اهـ

وصرح الإمام الرملي نقلًا عن الزركشي، بأن استعمال ما يمنع الحمل قبل إنزال المني في حالة الجماع مثلًا لا مانع منه، وقال البجيرمي في حاشيته على الإقناع في حل كلام أبي شجاع: يحرم استعمال ما يقطع الحمل من أصله، أما ما يبطئ الحمل أو يؤخره دون أن يقطعه من أصله فلا يحرم، بل إن كان لعذر كتربية فلا يكره أيضًا، وفرق الشبرامسي بين ما يمنع الحمل بالكلية وما يمنعه مؤقتًا، فقال بتحريم الأول واعتبر شبيهًا بالعزل (٤) إلخ.

ويستدل على الجواز أيضًا بتفسير الإمام الشافعي قوله تعالى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} النساء [٣] بقوله: ذلك أقرب ألا تكثر عيالكم، فقد فهم الإمام الشافعي رحمه الله أن التشريع القرآني يتجه إلى كراهية كثرة العيال؛ لأن الله تعالى علل به الأمر بالاقتصار على واحدة عند الخوف من عدم العدل وإذًا فتنظيم النسل لئلا يكثر العيال مما يدخل ضمنا في دلالة الآية الكريمة (٥) .


(١) إحياء علوم الدين ص ٥٢ - ٥٣ جـ ٢
(٢) هو ابن حزم وابن حبان
(٣) هو الجمهور من فقهاء الأمصار
(٤) الإسلام وتنظيم الأسرة لأعمال المؤتمر الإسلامي المنعقد في الرباط جـ ٢ ص ٢٩١
(٥) الإسلام وتنظيم الأسرة لأعمال المؤتمر الإسلامي المنعقد في الرباط جـ ٢ ص ١٢٦

<<  <  ج: ص:  >  >>