لا توجد في القرآن الكريم آية واحدة، بل كلمة واحدة تبيح عملية تحديد النسل، ولكن الذين يؤيدون عملية تحديد النسل عند المسلمين يستدلون بالأحاديث التي وردت في شأن العزل، ولكن هناك ثلاثة أمور أساسية لا بد من رعايتها في استخراج مسألة فقهية من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
١ - الاستقصاء التام لكل ما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم في المسألة التي هي تحت البحث.
٢ - بذل الجهود الممكنة لمعرفة السياق والموقف الذي بين فيه الرسول صلى الله عليه وسلم حديثًا من أحاديثه.
٣ - بذل الجهود الممكنة كذلك للاطلاع على الظروف والملابسات السائدة في بلاد العرب في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم.
فمع رعاية هذه الأمور الأساسية نريد الآن أن نلقي نظرة على الروايات التي يستدل بها هؤلاء القوم للدفاع عن فكرتهم، ومما لا يخفى على أحد أن قتل الأولاد كان هو الطريق الجاري في بلاد العرب لتحديد النسل، إلى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك لسببين:
أولهما: تدهور الوضع الاقتصادي، فكان الآباء لأجله يقتلون أولادهم خشية أن يشاركوهم في رزقهم.
ثانيهما: عاطفة الغيرة المجاوزة لحدودها العادلة، فكان الآباء يحرصون، على وأد بناتهم خشية عار المصاهرة.
فلما جاء الإسلام ندد بهذه الجريمة، ونهى العرب عن اقترافها، وقلب عقليتهم في شأنها قلبا كليا، ثم اتجهت فكرة المسلمين إلى العزل، أي الإنزال بعيدًا عن المرأة، ولكن من المعلوم أن العزل ما كان عامًّا شائعًا بين المسلمين جميعًا، ولا كانت قد قامت فيهم حركة لتحديد النسل ومنع الحمل، ولا كان المقصود، أن يتخذ من العزل سياسة قومية، ولا كانت من الأسباب المحرضة عليه، تلك الأفكار التي كانت تحرض الناس على اقتراف جريمتي قتل الأولاد ووأد البنات، أيام الجاهلية، وإنما كانت هناك ثلاثة أسباب، هي التي حملت على العزل نفرًا من المسلمين، ولنا أن نعرفها بتتبع الروايات الواردة في كتب الحديث، في باب العزل.