للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونحن إذا قسنا على العزل ما ظهر في زماننا من الطرق الأخرى لمنع الحمل وتحديد النسل. جاز لنا القول: بأن الشرع إذا لم يكن قد نهى عنه فإنما ذلك لأن الإنسان قد يحتاج إليه حاجة حقيقية في بعض ظروفه.. فمن باب الحيطة أن يسمح له باستخدامه وذلك مثل أن تتعرض المرأة لخطر الموت، أو تخاف على نفسها أو على طفلها الرضيع، ضررًا غير عادي إذا وقع الحمل، ففي هذه الظروف وأشباهها فقط يمكن استخدام إحدى طرق منع الحمل بعد مشورة الطبيب، ولا بأس بذلك في نظر الشريعة.

وأما تبني سياسة تحديد النسل عامة في الدول، فقد جاء القرآن صريحا في تحريمها، حيث قال تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ} (١) فالنتيجة التي ورد ذكرها في هذه الآية الكريمة لتحريم نعمة التناسل بقتل الأولاد، هي الخسران، والوجوه التي تظهر عليها نتيجة الخسران هذه، تكون في الجسد والروح، وفي الحياة المدنية والاجتماعية، وفي الأخلاق وفي النسل والحياة القومية، وفي إضاعة المصالح القومية في سبيل المصالح الشخصية وفي الانتحار القومي، وفي الخسائر الاقتصادية. وذكر بعض المفسرين في قوله تعالى: {وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ} (٢) فقال: إنهم يحرمون على أنفسهم ما قد أحل الله لهم من المأكولات والسبب في ذلك أنه لم تكن قديما حركة لتحديد النسل ولكن الله الذي يحيط بعلمه كل ما كان وما سيكون، ما استعمل إلا كلمات عامة لا تشمل تحريم المباحات من المأكولات فحسب وإنما تشمل أيضًا تحريم كل نعمة أنعمها على عباده وكلمة " الرزق " لا تستعمل في معاجم اللغة وفي كلام العرب لمجرد المأكولات والمشروبات، وإنما تستعمل لكل نعمة بما فيها نعمة الذرية، ولما قد جاء هنا ذكر تحريم " الرزق " عقب قتل الأولاد، فمعناه الواضح أنه كما قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم، كذلك قد خسر الذين حرموا على أنفسهم، نعمة التناسل والإنجاب والأولاد.


(١) سورة الأنعام الآية ١٤٠
(٢) سورة الأنعام الآية ١٤٠

<<  <  ج: ص:  >  >>