وقد جاءت هذه الرواية في الموطأ للإمام مالك رضي الله عنه وفيها يقول أبو سعيد الخدري: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق فأصبنا سبيًا من سبي العرب، فاشتهينا النساء، واشتدت علينا العزبة وأحببنا الفداء - يعني أن لا يولد لهم مولود - فأردنا أن نعزل فقلنا: نعزل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا قبل أن نسأله؟ فسألناه عن ذلك فقال:" ما عليكم أن لا تفعلوا - يعنى أي شيء يحدث إذا لم تفعلوا - ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة ". وفى رواية أخرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ولِمَ يفعل ذلك أحدكم؟ " وفى رواية أخرى ((أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن لى جارية هي خادمتنا وسانيتنا وأنا أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل. فقال:" اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها ")) رواه مسلم.
على أن هناك جماعة من الصحابة وغيرهم قد صح عنهم النهي عن العزل. يقول الإمام الترمذي في سننه: وقد كره العزل قوم من أهل العلم من الصحابة وغيرهم، ويروي مالك في الموطأ عن عبد الله بن عمر، أنه كان لا يعزل وكان يكره العزل.
فالذي نعلم من تتبع الأحاديث والروايات من كلا النوعين، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان أذن في العزل، بل كان يكرهه جماعة من أصحاب العلم من أصحابه رضي الله عنهم، ولكن لما لم تكن هناك حركة عامة لمنع الحمل وتحديد النسل قائمة بين المسلمين، ولا كانت الجهود تبذل لجعل العزل خطة قومية وتعاملًا عامًّا في المجتمع، وإنما كان نفر من المسلمين يعملونه لحاجاتهم وضروراتهم بصفتهم الشخصية، فما أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم حرمته، ولا نهى عنه نهيا مؤكدًا على أنه لو كان في زمانه حركة عامة تدعو الناس إلى منع الحمل وتحديد النسل على نطاق قومي واسع، لنهى عنه نهيا مؤكدًا.