للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضروريات تنظيم النسل

١ - الخشية على حياة الأم أو صحتها من الحمل أو الوضع، إذا عرف بتجربة أو إخبار طبيب ثقة. قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} النساء [٢٩] وقال: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} البقرة [١٩٥] .

٢ - الخشية من وقوع حرج دنيوي قد يفضي به إلى جرم في دينه، فيقبل الحرام ويرتكب المحظور من أجل الأولاد. قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} البقرة ١٨٥ - وقال تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} سورة المائدة ٦.

٣ - الخشية على الأولاد أن تسوء صحتهم أو تضطرب تربيتهم. وفي صحيح مسلم (عن أسامة بن زيد أن رجلًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أعزل عن امرأتي. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لِمَ تفعل ذلك؟)) فقال الرجل: أشفق على ولدها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو كان ضارًّا لضر فارس والروم)) (١) .

وكأنه عليه السلام رأى أن هذه الحالات الفردية لا تضر الأمة في مجموعها بدليل أنها لم تضر فارس والروم وهما أقوى دول الأرض حينذاك.

٤ - الخشية على الرضيع من حمل جديد ووليد جديد، وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم الوطء في حالة الرضاع وطء الغيلة أو الغيل لما يترتب عليه من حمل يفسد اللبن ويضعف الولد، وإنما سماه غيلا أو غيلة؛ لأنه جناية خفية على الرضيع فأشبه القتل سرًّا.

وكان عليه السلام يجتهد لأمته فيأمر بما يصلحها، وينهاها عما يضرها، وكان من اجتهاده لأمته أن قال: (لا تقتلوا أولادكم سرًّا فإن الغيل يدرك الفارس قيد عثرة) (٢) . ولكنه عليه السلام لم يؤكد النهي إلى درجة التحريم.. ذلك لأنه نظر إلى الأمم القوية في عصره فوجدها تصنع هذا الصنيع ولا يضرها فالضرر إذًا غير مطرد، هذا مع خشية العنت على الأزواج لو جزم بالنهي عن وطء المرضعات، ومدة الرضاع قد تمتد إلى حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة. لذلك كله قال: (لقد هممت أن أنهى عن الغيلة ثم رأيت فارس والروم يفعلونه ولا يضر أولادهم شيئا) (٣) .

والمفهوم من تعاليم الشريعة الغراء أنه إذا كان هناك داع يستوجب هذا التنظيم في النسل فلا مانع شرعًا من اتباع طريقة سليمة لتحقيق ذلك. ومن هنا قرر العلماء إباحة منع الحمل مؤقتًا بين زوجين أو دائمًا إذا كان بهما أو بأحدهما داء من شأنه أن ينتقل في الذرية والأحفاد. وتنظيم النسل بهذه الأسباب الضرورية تبيحه الشريعة الإسلامية أو تحتمه على حسب قوة الضرر ونفعه؟


(١) أخرجه مسلم ت: ٢٤١
(٢) أبو داود ت: ٢٤٢
(٣) مسلم: ت: ٢٤٣

<<  <  ج: ص:  >  >>