للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موقف الشريعة من تنظيم النسل وتحديده

فأما التحديد الدائم، وهو التعقيم الذي يتم عن طريق قطع الحبل المنوي للرجل، وقناتي الرحم للمرأة، بحيث يصير كل منهما عقيما طول حياته، فهو أمر يجافي الطبيعة الإنسانية، ويتنافى وتعاليم الإسلام الصريحة؛ لأنه تغيير لخلق الله، وقد ندد القرآن بذلك عندما نسب أمره للشيطان فقال تعالى: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (١١٧) لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (١١٨) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا} (١) .

فقطع الحبل المنوي وقناتي الرحم تغيير لخلق الله وعمل شيطاني. وإذن التعقيم الدائم غير مقبول شرعا، وحتى في الطبيعة البشرية والفطرة التي فطر الله الناس عليها {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (٢) .

وأما اتخاذ وسائل التباعد بين الحملين فهو جائز إذا استعملت فيه الوسائل التي لا تلحق ضررا بأحد الزوجين أو بهما، فطبيعة التكوين البشري تختلف من شخص لآخر فهناك من النساء من لا تتهيأ للحمل إلا بعد أمد طويل، ومنهن من تتهيأ للحمل بسرعة، وقد جاء في القرآن ما يفيد جواز العمل على تباعد ما بين الحملين في قول الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} (٣) . فالمرأة إذا حملت تسعة أشهر ووضعت وظلت ترضع مولودها حولين كاملين يكون الزمن الفاصل بين مولودين، ثلاث سنوات تقريبًا، وقد يستفاد من هذا أن الأصلح للمولود والوالدة أن يكون أقل الفصل بين حملين ثلاث سنوات، تستريح فيها المرأة من عناء الحمل ومشقاته، ويتمتع المولود بفترة كافية من الغذاء الأنسب له، وهو لبن أمه، ريثما يتدرج في التغذية إلى الوسائل الطبيعية.


(١) سورة النساء الآية ١١٧، ١١٨، ١١٩
(٢) سورة الروم الآية ٣٠
(٣) سورة البقرة الآية ٢٣٣

<<  <  ج: ص:  >  >>