للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موقف الشريعة من قضية تحديد النسل

قال تعالى في محكم كتابه: بسم الله الرحمن الرحيم {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} (١) .

ولقد كان أهل الجاهلية يقتلون أبناءهم مخافة الفقر فنزل قول الحق تبارك وتعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} (٢) .

وطالعتنا الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية ببحوث تطول وتقصر، في تأييد الرأي والدعوة إليه، إلا أنه يلزم قبل الخوض في البحث تحديد المقصود من الموضوع، أو تحريم محل النزاع، فقد تبادر للناس أن المقصود منه هو إصدار قانون عام يلزم الأمة كلها أن تقف بالنسل عند حد معين. لا فرق في ذلك بين سيدة يسرع إليها الحمل، فترضع ولدها السابق لبن الحمل، وأخرى يبطئ حملها وتمضي مدة الرضاع أو أكثر في تربية السابق دون حمل، كما ذكره محمود شلتوت في كتابه الفتاوى، دراسة لمشكلة المسلم المعاصر، ولا سيما القوي والسليم من الأمراض يلد أقوياء أصحاء والضعيف المريض يلد ضعفاء مرضى، ولا بين من في سعة من الرزق يستطيع تربية أبنائه مهما بلغ عددهم، وبين فقير في ضيق لا يستطيع القيام بتربية أبنائه الكثيرين فيضعف احتماله وتخور أعصابه وتفسد حياته.

وتحديد النسل بهذا المعنى العام، لا يمكن أن يقصده أحد ما فضلا عن أمة تريد لنفسها البقاء، وتعمل جاهدة وبخطوات سريعة في المشروعات الإنتاجية التي بها تنافس الأمم الأخرى، وترد عنها أطماع المستعمرين، عن طريق الإنتاج والاقتصاد، وهو بعد هذا تفكير تأباه طبيعة الكون المستمرة في النمو، وتأباه حكمة الحكيم الذي خلق في الإنسان والحيوان مادة التوالد والتناسل، وخلق مقابل ذلك في الأرض وسائر ما خلق قوة الإنتاج الدائم المضاعف، والمائدة التي أعدها الله عز وجل لعباده في ظاهر الأرض وباطنها لا يمكن أن تضيق عن حاجتهم وحاجة نسلهم مهما كثروا ومهما عاشوا بإذن الله.

أما النظرة الداعية إلى تحديد النسل وتنظيمه بالنسبة للسيدات اللاتى يسرع إليهن الحمل، وبالنسبة لذوي الأمراض المتنقلة، وبالنسبة للأفراد القلائل الذين تضعف أعصابهم عن مواجهة المسئوليات الكثيرة، ولا يجدون ما يقويهم على احتمال هذه المسئوليات، فمثل هذا التنظيم فردي أسري لا يتعدى مجاله وهو شأن خاص تدفع به أضرار محققه ويكون به النسل القوي الصالح.


(١) سورة النحل الآية ٧٢
(٢) سورة الإسراء الآية ٣١

<<  <  ج: ص:  >  >>