للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسائل تنظيم النسل:

أولًا: العزل: وهو قذف النطفة خارج الرحم عند الإحساس بنزولها (١) . ويعتبر العزل الوسيلة السائغة التي يلجأ إليها الناس لمنع النسل أو تقليله في العصور السابقة وخاصة عصر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان الصحابة يفعلون ذلك في عهد النبوة والوحي كما ورد في حديث جابر الذي في الصحيحين ((كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل)) (٢) . ولمسلم ((كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغه ذلك فلم ينهنا)) (٣) .

وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي جارية هي خادمتنا وساقيتنا في النخل وأنا أطوف عليها وأكره أن تحمل فقال: ((اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها)) (٤) .

وفي مجلس عمر تذاكروا العزل فقال رجل: إنهم يزعمون أنه الموءودة الصغرى. فقال علي: لا تكون موءودة حتى تمر عليها الأطوار السبعة حتى تكون سلالة من طين، ثم تكون نطفة، ثم علقة، ثم مضعة، ثم عظاما، ثم تكسى لحما، ثم تكون خلقا آخر. فقال عمر: صدقت أطال الله بقاءك. (٥) .

ومن الوسائل التي يلجأ إليها بعض الناس لتنظيم النسل وتحديده إسقاط الحمل بعد وجوده فعلا وهذه الوسيلة تعتبر جريمة في نظر الإسلام.

فلا يجوز لمسلم أن يسقط الحمل بعد نفخ الروح فيه فمن فعله فهو آثم وعليه دية إن نزل حيا وغرة إن نزل ميتا.

أما إسقاط الحمل قبل نفخ الروح فيه فقد رأى فريق أنه جائز إذ لا حياة فيه فلا جناية ولا حرمة أما الغزالي فقد صرح بتحريمه حيث قال في معرض تفريقه بين منع الحمل وبين إسقاطه: (وليس هذا - رأي منع الحمل - كالإجهاض والوأد؛ لأن ذلك جناية على موجود حاصل، والوجود له مراتب وأول مراتب الوجود أن تقع النطفة في الرحم وتختلط بماء المرأة وتستعد لقبول الحياة، وإفساد ذلك جناية، فإن صارت نطفة وعلقة كانت الجناية أفحش، وإن نفخ فيه الروح واستوت الخلقة ازدادت الجناية تفاحشًا، ومنتهى التفاحش في الجناية بعد الانفصال حيًّا) (٦) . وتحريم إسقاط الحمل حتى قبل نفخ الروح فيه مبني على أن فيه حياة محترمة هي حياة النمو والإعداد وقد قاسه بعض الأحناف ببيض الصيد إذا كسره المحرم فإنه يضمن لكونه أصل الصيد، قالوا: وما دام المحرم يطالب بالجزاء إذا كسر بيض الصيد فلا أقل من أن يلحق من يسقط الحمل الذي لم ينفخ فيه الروح إثم إذا كان قد أسقطه بدون عذر شرعي.

ومما تجدر الإشارة إليه أن الناس بفضل التقدم العلمي تمكنوا من اكتشاف وسائل علمية لتحديد النسل وتنظيمه بحيث لا يضطرون إلى إسقاط الحمل المفضي إلى ارتكاب محظور شرعي وبحيث لا يضطرون إلى العزل أيضا المفضي إلى الإضرار بالنفس أو بالزوجة وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الدكتور/ دوكوري أبو بكر


(١) انظر معنى العزل في النهاية في غريب الحديث ٣/٢٣٠
(٢) متفق عليه راجع نيل الأوطار ٦/٢٢٠
(٣) راجع نيل الأوطار ٦/٢٢٠
(٤) رواه أحمد ومسلم وأبو داود راجع نيل الأوطار ٦/٢٢٠
(٥) راجع إحياء علوم الدين ٢/٥٢، الحلال والحرام في الإسلام ص ١٩٢
(٦) راجع إحياء علوم الدين للغزالي ٢/٥١

<<  <  ج: ص:  >  >>