للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال السيد وجيه الدين أحمد: (السلوك الذي يدل على التجديد لا يكون عن طريق الأخذ بالأدوات العصرية والتسهيلات المنزلية الكهربائية وغيرها لا لشيء إنها عصرية ميكانيكية، وإنما يكون عن دافع نفساني سيكولوجي نابع من أعماق النفس، فالقروي مثلًا قد لا يكون مهتمًا بهذه الآلات والأدوات العصرية لذاتها، ولكنه يكون مهتمًّا في تحسين وضعه بشراء ثور أقوى على الحرث أو بقرة حلوب، وقد يكون الإقبال على المظاهر العصرية الحديثة إقبالًا مصطنعًا بسبب تأثير الدعايات التجارية الجماعية، غير صادر عن الظروف الحقيقية ولا عن الوضع الثقافي الاجتماعي.

فالفلاح في الباكستان مثلا يقبل على استعمال الأسمدة الكيماوية ويهمل ما هو أهم من ذلك وهو النشاط في العمل. وليس الابتعاد عن الثقافة التقليدية وحده يسهل عملية التغيير والتجديد، والرأي القائل بأن التقاليد كابوس يعطل التقدم في جميع الاتجاهات رأي سطحي، ولو أن بعض التقاليد قد يكون لها هذا الأثر، غير أن تقاليد أخرى قد تكسب التقدم قوة دافعة، ومن ذلك مثلا أن الحركات التجديدية في العالم الإسلامي كانت أقرب ما تكون في حقيقتها إلى المثل القائل (عمل جديد بأسلوب قديم) أي أن هذه الحركات كانت تجمع بين القيم الغربية والنظرة العلمية من جهة، والوحي الديني والقواعد الدينية الأساسية من جهة أخرى، فالدعوة إلى تحرير المرأة مثلا كانت بدافع وضع المرأة في البلاد الأوروبية، ولكنها كانت في الوقت نفسه مبنية على أن النساء في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كن يشاركن الرجل في أعماله ويحاربن معه ويعملن في إسعاف الجرحى) .

والنقطة التي أثارها السيد وجيه الدين أحمد - بشأن العلاقة بين التطور والتجدد كان لها صدى في لفت النظر إلى معنى التطور بالنسبة إلى التقاليد فهو يحض على وجوب إعطاء أهمية عظمى للدوافع النابعة من التقاليد؛ لأنها دوافع مألوفة وتحمل معنى القداسة والسلطان والحكمة الجماعية ويغذيها تراث معنوي، إذ بهذه الطريقة تكتسب عملية التربية والتثقيف سهولة وتصبح أكثر عمقًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>