تحدث الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر السابق رحمه الله عن موضوع (النسل بين التحديد والتنظيم) في كتابه الفتاوى، وبعد أن قال: إن تحديد النسل بمعنى إصدار قانون عام يلزم الأمة كلها أن تقف بالنسل عند حد معين دون مراعاة للفروق بين الأفراد، شيء لا يمكن أن يقصده أحد ما، فضلًا عن أمة تريد لنفسها البقاء، وهو تفكير تأباه طبيعة الكون المستمرة في النمو، وتأباه حكمة الله تعالى، ذكر أنه يعتقد أن الذين يدعون إلى تحديد النسل لا يريدونه بهذا المعنى. ثم قال:
أما تحديد النسل بمعنى تنظيمه بالنسبة للسيدات اللاتي يسرع إليهن الحمل، وبالنسبة لذوي الأمراض المتنقلة، وبالنسبة للأفراد القلائل الذين تضعف أعصابهم عن مواجهة المسئوليات الكثيرة، ولا يجدون من حكوماتهم، أو من الموسرين من أمتهم، ما يقويهم على احتمال هذه المسئوليات، إن تنظيم النسل بشيء من هذا - وهو تنظيم فردي، لا يتعدى مجاله – شأن علاجي، تدفع به أضرار محققة ويكون به النسل القوي الصالح.
والتنظيم بهذا المعنى لا يجافي الطبيعة، ولا يأباه الوعي القومي، ولا تمنعه الشريعة إن لم تكن تطلبه وتحث عليه، فقد حدد القرآن مدة الرضاع بحولين كاملين، وحذر الرسول صلوات الله عليه أن يرضع الطفل من لبن الحامل، وهذا يقضي بإباحة العمل على وقف الحمل مدة الرضاع.
وإذا كانت الشريعة تتطلب كثرة قوية لا هزيلة. فهي تعمل على صيانة النسل من الضعف والهزال، وتعمل على دفع الضرر الذي يلحق بالإنسان في حياته. ومن قواعدها: الضرر مدفوع بقدر الإمكان.
ومن هنا قرر العلماء إباحة منع الحمل مؤقتًا بين الزوجين، أو دائمًا إن كان بهما أو بأحدهما داء من شأنه أن يتنقل بين الذرية والأحفاد.
(فتنظيم النسل بهذه الأسباب الخاصة التي من شأنها ألا تعم الأمة، بل ولا تكون فيها إلا بنسبة ضئيلة جدًّا، تنظيم تبيحه الشريعة، أو تحتمه على حسب قوة الضرر وضعفه، ولا أظن أن أحدًا يخالف فيه، فهو إذن محل اتفاق، وإذن ففيم الاختلاف؟ وعلام تختلف؟ اللهم إلا إذا كان مجرد الاختلاف والجدل شهوة ورغبة، وليس هذا شأن الباحثين والحريصين على خير أمتهم، وأخيرًا فاسمعوا أيها السادة قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}[سورة البقرة ٢٠٨] .
(١) الدكتور أحمد الشرباصي، الدين وتنظيم الأسرة، دار مطابع الشعب، ص ١٧٩