للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتوى الشيخ حسن مأمون

(١)

تحدث الإمام الأكبر الشيخ حسن مأمون شيخ الجامع الأزهر الشريف عن الإسلام وتنظيم الأسرة في جريدة " أخبار اليوم " الصادرة صباح ٢٢ أغسطس سنة ١٩٦٤ م. فقال:

رأي الإسلام في هذا الموضوع واضح وصريح، ولعل ما أثار في نفسك – وما يثير في نفوس الكثيرين – هذا التساؤل، ما هو مأثور عن الإسلام من أنه يدعو إلى التناسل والتكاثر ويحفز من استطاع الباءة (٢) من الشباب أن يتزوج، ويدعو إلى أن يختار الرجل لنفسه الزوجة الولود الودود إلى غير ذلك مما قد يرى معه البعض أن هذا الرأي هو الإسلام، ولا رأي غيره.

على أنه يمكن لنا أن نتناول الموضوع من زاوية أخرى – وهي الزاوية الأساسية والرئيسية في بناء الحكم الشرعي غالبًا – تلك هي الحكمة التي يبنى عليها الحكم والمصلحة المشروعة التي يستهدف تحقيقها. وفي موضوعنا كانت الحكمة والمصلحة تقضيان بالدعوة إلى التناسل والتكاثر والحفز عليهما.

ذلك أن الإسلام في بدء أمره كان غريبًا في مجتمع الشرك الجاهلي، وكان أتباعه قلة ضعفاء وسط الكثرة الباغية المستعلية بما استأثرت به من مال وجاه، وكانت المصلحة تقضي بالدعوة إلى مضاعفة عدد المسلمين، ليواجهوا مسئولياتهم في الذود عن الدعوة الإسلامية، والدفاع عن دين الله الحنيف الذي يتهدده خصوم كثيرون أقوياء.

ولكننا الآن نجد أن الظروف قد اختلفت، ونجد أن تكاثف السكان في العالم كله بدأ يهدد بهبوط خطير في مستويات الحياة اللازمة للبشر، لدرجة حدت بكثير من المفكرين إلى تنظيم النسل في كل دولة، بحيث لا تعجز مواردها عن الوفاء بأسباب العيش الكريم لسكانها، وتقديم الخدمات العامة لهم.

والإسلام – وهو دين الفطرة – لم يكن في يوم من الأيام ضد مصلحة الإنسان، بل كان دائمًا سباقًا إلى تحقيق هذه المصلحة، ما لم تخالف شرع الله. وإني أرى أنه لا مانع شرعًا من النظر في تنظيم النسل، إذا كانت الحاجة تدعو إلى ذلك، وعلى أن يتم هذا باختيار الناس وإقناعهم، دون قهر أو قسر وفي ضوء ظروفهم على أن تكون الوسيلة إلى ذلك مشروعة.


(١) الدكتور أحمد الشرباصي، الدين وتنظيم الأسرة، ص ١٩٥.
(٢) أي قدر على الزواج والقيام به وبتبعاته وواجباته.

<<  <  ج: ص:  >  >>