وقد تفرع عن هذا القول بجواز أخذ الدواء لمنع الحمل، وإسقاط الجنين قبل أن تدب فيه الحياة. وقد قال بجواز ذلك الحنفية إذا كان لعذر، وقد ذكر هذا في كتبهم الفقهية، بل في المطوقات كما جاء في الوهبانية. ويكره أن تسقى لإسقاط حملها. وجاز لعذر حيث لا يتصور. وقد مثل الفقهاء العذر لإسقاط الحمل كما في ابن عابدين إذ قال: وكالمرضعة إذا ظهر بها الحمل وانقطع لبنها، وليس لأبي الصبي ما يستأجر به الظئر، ويخاف هلاك الولد. وقد بين الفقهاء متى يجوز أخذ الدواء للإسقاط أنه ما دام الحمل مضغة أو علقة لم يخلق له عضو، وقدروا مدة ذلك بمائة وعشرين يومًا. وقد قالوا: إنه في هذه الأطوار لا يكون آدميًّا. وقد روي عن عمر وعلي ما يستفاد منه أنه (لا يكون إسقاط الحمل موؤودة حتى تمر عليه التارات السبع) وجاء في الموطأ: قال مالك: لا يعزل الرجل عن الحرة إلا بإذنها. وقال الزرقاني على ذلك. (وأما الحرة فإن أذنت لم يحرم. قال في الفتح: وينتزع من حكم العزل، حكم معالجة المرأة إسقاط النطفة قبل نفخ الروح، فمن قال بالمنع ففي هذه أولى. ومن قال بالجواز، فيمكن أن يلتحق بهذا) ثم قال الزرقاني: (ويلتحق به تعاطي المرأة ما يقطع الحبل من أصله) .
فترى من هذا أن المتفق عليه بين الأئمة جواز العزل وهو من طرق منع الحمل.
وقد أخذ العلماء من هذا جواز أخذ الدواء لمنع الحمل، بل أخذ الدواء لإسقاط الحمل ونحن نفتي بجواز تحديد النسل مطمئنين. وقد ذكرنا من الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله ما يقطع ريب المستريبين، وإذا قررت الحكومة هذا فإن العمل به يكون لازمًا؛ لأن من المتفق عليه أن أولى الأمر إذ أخذ بقول ضعيف يكون الأخذ به حتمًا. وقد أفتينا بهذا منذ بضع عشرة عامًا قبل أن نلي الإفتاء وطبعت فتوانا في المجموع الأول فتاوينا، ثم سئلنا عنه غير مرة، فأفتينا به ونشرت فتاوينا في هدي الإسلام، والله ولي التوفيق.