ولذلك ورد الحديث في الحث على تزوج المرأة الولود، ففي السنن عن النبي ((تزوجوا الولود الودود فإني مباه بكم الأمم)) . بيد أن الشارع قيد طلب النسل بالزواج، وتزوج الولود بالقدرة والسعة واليسر، وعدم العجز عن تحمل مؤونة الزواج، وضيق كسب الوالد عن الإنفاق على الولد، وأن لا يجد سعة لتعليمه وتأديبه، حتى يؤدي ذلك إلى إضاعته، وطلبه الرزق من وجوه غير مشروعة، وطرق دميمة مكروهة ممنوعة. فإذا خيف ذلك فإن الحكم يتغير طبقًا للقاعدة الشرعية: تتغير الأحكام بتغير الزمان. فإن هذا هو معناها. فيكون حكم طلب الزواج الذي هو من سنن الإسلام الحظر والمنع، وذلك إذا عجز طالب الزواج عن مؤونة الزواج. وهذا الحكم، وهو خطر الزواج ومنع الشارع منه، هو صريح الكتاب والسنة. فأما الكتاب فقوله عز وجل:{وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} . (١) فإن هذه الآية الكريمة ظاهرة وصريحة في الاستعفاف والصبر عن الزواج، إلى حين القدرة عليه، وأما السنة، فما جاء في الحديث الصحيح:((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)) . فهذا الحديث مثل هذه الآية الكريمة في الأمر بترك الزواج ومن لم يستطع الباءة، وهي القدرة المالية، وهذه الآية وهذا الحديث يؤخذ منهما قطعًا أن تحديد النسل مشروع بطريق الأولى إذا كانت مصلحة العالم أو مصلحة الفرد في ذلك؛ لأنهما قد نهيا عن الزواج الذي في تركه قطع النسل حين العجز عن مؤونة الزواج: فيؤخذ من ذلك حكم تقليل النسل من باب أولى؛ لأن قطع النسل البتة أفحش من تقليل النسل. فلهذا نعجب ممن يستحب الترهب كيف يتردد في إجازة تحديد النسل؟ وقد جاءت الأحاديث الصحيحة في إباحة طرق تحديد النسل عينًا، فمن ذلك ما في الصحيحين عن أبي سعيد قال:" أصبنا سبيًا فكنا نعزل، فسألنا رسول الله عن ذلك، فقال لنا: " وإنكم لتفعلون - قالها ثلاثا - ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا هي كائنة ".
وفي السنن عنه أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن لي جارية، وأنا أكره أن تحمل، وأنا أريد ما يريد الرجال، وإن اليهود تحدث أن العزل المؤودة الصغرى. قال كذبت اليهود. ولو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه. وفي الصحيحين: كنا نعزل على عهد رسول الله والقرآن ينزل، وفي الصحيح أيضا: كنا نعزل على عهد رسول الله فبلغه ذلك فلم ينهنا. ففي هذه الأحاديث الصحيحة والصريحة إجازة العزل الذي هو أحد طرق منع النسل أو تقليله حتى من غير عذر. وقد رويت الرخصة بذلك عن عدد من الصحابة والتابعين، وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعي وأحمد.