للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن موضوع تحديد النسل في العالم حديث نسبيا ولعله بدأ بصورة مسموعة عندما تبنت بعض الحكومات سياسة التحديد من باب الضرورة الاقتصادية فدعت الفقهاء إلى أن يبينوا للناس أنه ليس حراما شرعا وكانت من ذلك كتابات وأحاديث وإسهامات فقهية في مؤتمرات قومية وإقليمية وعالمية ولا نشكك في إخلاص فقهائنا الذين اضطلعوا بذلك، ولا نقدح فيما وصلوا إليه من رأي الإباحة ورغم اشتراكهم في هذا الرأي مع الهيئات الدولية الداعية إليه فإننا نود أن نؤكد أن هؤلاء وأولئك لم يكونوا جيادا تجري في عنان واحد وبنية واحدة، فحركة تحديد النسل العالمية نبعت من آراء داروين ثم مالثيوس اللذين تحدثا من جانب عن تكاثر الناس أكثر من تكاثر الموارد ولكن من الجانب الآخر عن أن الأجناس المتخلفة تشكل عبئا على الأسرة الإنسانية وتلويثا لنقائها فينبغي أن لا يسمح لها بالتكاثر غير المقنن ثم كان امتدادهما في حمل لواء الحركة على الأخص سيدتين هما ميري ستوبس في بريطانيا ومارجريت سنجر في أمريكا تحت شعار حركة الدفاع عن المرأة الذي خلط صالحا وسيئا، فكان فيه الفوائد الصحية لتحديد النسل ولكن كان فيه كذلك ضرورة مساواة المرأة بالرجل في الحريات ومنها حرية الجنس مشروعا أو غير مشروع غير مهددة بحدوث حمل غير مرغوب وبأموال مرجريت سنجر مولت الأبحاث التي أنتجت حبة منع الحمل الأولى، وبنفوذها تأسس الاتحاد العالمي لتنظيم الوالدية وله صلاته ونشاطه في كثير من بلادنا.

ولقد رأيت له في مؤتمرنا هذا ورقة لي عليها بعض الاحتراز واستقر للحركة النصر فيما يختص بمنع الحمل فإذا هو الأن حق أكيد للمتزوجات وغير المتزوجات والقاصرات وتلميذات المدارس بصحبة تغيير شامل في القيم والمفاهيم أفضى إلى أن ما نسميه نحن زنا ونعترض عليه أصبح نشاطا إنسانيا عاديا لا غبار عليه وهو حق لمن أراده كانت المعركة التالية معركة إباحة الإجهاض وجعله حقا لكل من تطلبه وكانت الآثار الأخلاقية لذلك بالغة المدى فأغلبية المجهضات على مستوى العالم غير متزوجات وفيما طالعت من مؤتمرات فقهية سابقة من تناول لموضوع الإجهاض واختلاف عليه فإن الصاحي لمجريات الأمور في عالمنا الحاضر يدرك بوضوح أنه لو لم يكن هناك من داع لمنع الإجهاض إلا باب سد الذرائع لكفى وزاد، ونحسب أن موضوع الإجهاض قد حسم الآن في أكثر من مؤتمر إسلامي باعتبار حياة الإنسان محترمة في كافة أدوارها فلا يجوز إهدارها إلا لإنقاذ حياة الأم وبينما ظن الفقهاء السابقون منذ قرون أن بدء الحياة قرين نفخ الروح الذي أورده حديث الأربعينات أو إحساس الأم بحركة الجنين في بطنها وكلاهما يكون في نهاية الشهر الرابع للحمل تنبئنا المعطيات العلمية الحديثة أن حياة الفرد منا قد بدأت قبل ذلك بكثير بدأت في الواقع منذ بدايتها بالتحام الحيوان المنوي والبويضة وكل منهما نصف خلية ليكونا الخلية الكاملة ذات الحصيلة الإرثية التي تميز الجنس الآدمي عامة كما تميز إنسانا فردا بعينه لم يتكرر بتمامه ولن يتكرر منذ آدم وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

<<  <  ج: ص:  >  >>