للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما التصرفات التي هي من المعاوضات المالية كالبيع والإجارة ويلحق بها النكاح فإن الوعد بها لا يَلْزَمُ ولا يُلْزِمُ الوفاء بها، يوضح ذلك ما قاله الفقيه المالكي الحطاب رحمه الله في كتابه تحرير الكلام في مسائل الالتزام (١) ، قال: (مدلول الالتزام لغة: إلزام الشخص نفسه ما لم يكن لازما له وهو بهذا المعنى شامل للبيع والإجارة والنكاح وسائر العقود، وأما في عرف الفقهاء: فهو إلزام الشخص نفسه شيئا من المعروف مطلقا أو معلقا على شيء فهو بمعنى العطية، وقد يطلق في العرف على ما هو أخص من ذلك وهو: إلزام المعروف بلفظ الالتزام وهو الغالب في عرف الناس اليوم) ، ولا شك أن الوعد عند المالكية كما أوضحه تعريف ابن عرفة في الفقرة الثالثة من هذا البحث التزام بمعروف. وحين يذكر المالكية المعروفَ إنما يقصدون به عقود التبرعات وقد قال مالك رحمه الله: من ألزم نفسه معروفا لزمه، لذلك فإن البيع والإجارة والنكاح لا تدخل في دائرة التبرعات وإنما الواعد بها يأخذ عوضًا عما يعد به فهي من المعاوضات.

كذلك نصت المادة (١٧١) من مجلة الأحكام العدلية على ما يلي:

(صيغة الاستقبال التي هي بمعنى الوعد المجرد مثل: سأبيع وأشتري، لا ينعقد بها البيع) وإنما لا ينعقد البيع؛ لأن الوعد المجرد هو في معنى مساومة في البيع (٢) .

فالبيع وأمثاله من المعاوضات المالية تستدعي جزم الإرادتين في مجلس التعاقد، فلا بد أن تكون صيغة الإيجاب والقبول مفيدة للبت في العقد بصورة لا تردد معها ولا تسويف، وإلا كانت نية الارتباط منتفية؛ لأن التردد في حكم الرفض، ومن الواضح أنه إذا انتفت دلالة الصيغة على وقوع الارتباط والتعاقد فلا عقد ولا التزام وبناءً على هذا فقد قرر الفقهاء أن الوعد بالبيع ينعقد به البيع ولا يلزم صاحبه قضاء (٣) .

أما عقد النكاح فإن عدم إلزام الواعد بوعده فيه فذلك مبني على أن الواعد إذا أراد الرجوع عن وعده وألزمناه بوعده فإن ذلك يعني أننا سنوقع عقد النكاح في ظل الإكراه، وعقد النكاح يتنافى مع الإكراه.

وبناء عليه فإن ما سنذكره من خلاف الفقهاء في وجوب الوفاء بالوعد إنما في الوعود الواردة على عقود التبرعات ولا إلزام في عقود المعاوضات المالية؛ لأن الفقهاء متفقون على أن طريق هذه التصرفات هو الجزم.


(١) انظر فتح العلي المالك ١/٢٥٤ حيث نقل الشيخ عليش فصلا طويلا من هذا الكتاب تحت عنوان مسائل الالتزام استغرق عشرات الصفحات
(٢) انظر شرح مجلة الأحكام للمرحوم علي حيدر ١/١٢٠
(٣) انظر كتاب الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد للأستاذ مصطفى أحمد الزرقاء الجزء الأول ص٣٤٦ ط٣- وقد علق الدكتور الزرقاء على العقود المعلقة على الشرط أو المضافة إلى المستقبل فنفى أن تكون هذه الصور مشابهة للوعد؛ لأن العقد المعلق أو المضاف إلى المستقبل عقد مجزوم بانعقاده مع اقترانه بشرط الخيار

<<  <  ج: ص:  >  >>