للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مدى وجوب الوفاء بالوعد

١٠- حقيقة الوعد أن الشخص ألزم نفسه معروفًا أو خيرًا لشخص آخر وهذا المعروف قد يكون قرضًا أو صدقة أو إعارة أو وجها من أوجه المعروف الأخرى.

وهذا الالتزام المتولد عن الوعد ينبغي الوفاء به ديانة ومروءة وتمشيًا مع مكارم الأخلاق التي حثت عليها الشريعة الإسلامية، لكن قوة هذا الالتزام اختلف فيها العلماء، فقد قال الإمام النووي رحمه الله: أجمع العلماء على أن من وعد إنسانًا شيئًا ليس بمنهي عنه فينبغي أن يفيَ بوعده.

وهل ذلك واجب أم مستحب؟ فيه خلاف بينهم (١) .

وهذا الخلاف في قوة الوعد الملزمة سأتولى تحريره هنا، وقد وجدت للعلماء في وجوب الوفاء بالوعد ثلاثة مذاهب:

الأول- استحباب الوفاء بالوعد لا وجوبه.

الثاني – وجوب الوفاء بالوعد مطلقا.

الثالث- وجوب الوفاء بالوعد بتفصيل.

وسأتولى بيان كل من هذه المذاهب الثلاثة تِبَاعًا.

المذهب الأول – استحباب الوفاء بالوعد لا وجوبه.

١١- ذهب جمهور العلماء بما فيهم أبو حنيفة والشافعي وأحمد والظاهرية وبعض المالكية (٢) إلى أن الوفاء بالوعد مستحب مندوب إليه وليس واجبا فلا يقضى به على الواعد، لكن الواعد إذا ترك الوفاء فقد فاته الفضل وارتكب المكروه كراهة تنزيهية شديدة ولكن لا يأثم (٣) .

لكن هذا كان مثارا لتساؤل بعض العلماء حيث قال العسقلاني:

وينظر هل يمكن أن يقال يحرم الإخلاف ولا يجب الوفاء؟ أي أن الواعد يأثم بالإخلاف وإن كان لا يلزم بوفاء الوعد؟

وهذا التساؤل له ما يبرره بسبب ما جاء من النصوص الظاهرة في الحث على الوفاء بالوعد ووصف مخلف الوعد بالكذب والنفاق كما سيتضح ذلك عند عرض أدلة من أوجب الوفاء بالوعد.

لذلك فقد استشكل والد ابن حجر العسقلاني صرف النصوص عن ظاهرها مستنكرا إذ يقول: والدلالة للموجوب منها – أي من النصوص- قوية فكيف حملوه على كراهة التنزيه مع الوعيد الشديد (٤) ؟


(١) انظر كتاب الأذكار للنووي ص٢٨٢
(٢) انظر: الأذكار للنووي ص٢٨٢ عمدة القاري ١٢/١٢١، من مرقاة المفاتيح ٤/٦٥٣، تحفة الأحوذي ٦/١٣١، المحلى ٨/٢٨، فتح العلي المالك ١/٢٥٤ وهو مذهب الإمامية كما يفهم من الطبرسي في جامع البيان ٩/٢٧٨ شركة المعارف الإسلامية
(٣) الأذكار للنووي ص٢٨٢ عمدة القاري ١/٢٢١
(٤) انظر: فتح الباري ٦/٢١٧ طبعة مصطفى البابي الحلبي لسنة ١٣٧٨هـ١٩٥٩م

<<  <  ج: ص:  >  >>