للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا وقد نقل العسقلاني عن المهلب أن إنجاز الوعد مأمور به مندوب إليه عند الجميع وليس بفرض لاتفاقهم على أن الموعود لا يضارب بما وعد به مع الغرماء (١) . وادعاء الاتفاق هذا رده العسقلاني؛ لأن الخلاف فيه مشهور وإن كان القائل به قليل (٢) . وسيتبين لك القائلون بوجوب الوفاء بالوعد عند بيان المذهب الثاني.

١٢- ولكي يخرج الواعد من ارتكاب المكروه في وعده فإن عليه استثناء مشيئة الله تعالى ويكون عازما على الوفاء بوعده قال الجصاص (٣) : (وكذلك الوعد بفعل يفعله في المستقبل وهو مباح فإن الأولى الوفاء به مع الإمكان، فأما قول القائل: إني سأفعل كذا فإن ذلك مباح له على شريطة استثناء مشيئة الله تعالى، وأن يكون في عقد ضميره الوفاء به ولا جائز له أن يعد وفي ضميره أن لا يفيَ به لأن ذلك هو المحظور الذي نهى الله عنه ومقت فاعله عليه، وإن كان في عقد ضميره الوفاء به ولم يقرنه بالاستثناء فإن ذلك مكروه؛ لأنه لا يدري هل يقع منه الوفاء به أم لا فغير جائز له إطلاق القول في مثله مع خوف إخلاف الوعد فيه) ولقد تشدد ابن حزم مقررًا أن الوعد بدون استثناء مشيئة الله محرم (٤) .

وقد ذكر العلماء أن النية الصالحة للوفاء يثاب عليها الواعد وإن لم يقترن معها المنوي وتخلف عنها (٥) .

وإذا كان أصحاب هذا الرأي قد نفوا الإثم عن مخالف الوعد فإن ذلك لمجرد خلف الوعد، أما لو قصد الواعد في إخلافه إضرار الموعود له فإن ذلك موجب لتأثيمه. (٦) .

ولا يلزم الوفاء بالوعد على رأي الجمهور كونه معينًا أو مقترنًا بيمين، فقد ذكر ابن حزم أن (من وعد آخر بأن يعطيه مالًا معينًا أو غير معين أو بأن يعينه في عمل ما، حلف له على ذلك أو لم يحلف لم يلزمه الوفاء به ويكره له ذلك وكان الأفضل لو وفى به، وسواء أدخله بذلك في نفقة أو لم يدخله وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأبي سليمان) (٧) .


(١) فتح الباري في الموضع السابق: عدم صحة المضاربة بالموعود به هنا بناء على عدم تأكد الوفاء بالوعد بناء على عدم وجوبه
(٢) الموضع السابق
(٣) أحكام القرآن ٣/٤٤٢
(٤) المحلى ٨/٢٩
(٥) مرقاة المفاتيح ٤/٦٤٧
(٦) مرقاة المفاتيح ٤/٦٥٣
(٧) المحلى ٨/٢٨

<<  <  ج: ص:  >  >>