للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أدلة هذا المذهب

١٣- يستدل لمذهب الجمهور بما يلي:

أـ أخرج الإمام مالك رحمه الله في الموطأ: ((أنه قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أكذب لامرأتي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لا خير في الكذب. فقال: يا رسول الله: أفأعدها وأقول لها؟ فقال عليه السلام: لا جناح عليك)) (١) .

فهذا الحديث يدل على أن إخلاف الوعد ليس قسيم الكذب، وأنه لا جناح على من أخلف وعده.

وأجيب على هذا الاستدلال بالحديث بأنه يحمل على أن الواعد لم يف مضطرًا جمعًا بينه وبين أدلة الوفاء إذ أن حمله على هذا المعنى أولى من حمله على غيره (٢) .

ب ـ أخرج أبو داود ((أنه عليه الصلاة والسلام قال: إذا وعد أحدكم أخاه ومن نيته أن يفي فلم يف فلا شيء عليه)) (٣) .

وأجيب عنه بمثل ما أجيب على الحديث الذي سبقه عن مالك (٤) .

جـ- وبصدد الدفاع عن رأي الجمهور قال ابن حزم: إن وعد وحلف واستثنى – بأن قال: إن شاء الله- فقد سقط عنه الحنث بالنص والإجماع المتيقن، فإذا سقط عنه الحنث لم يلزمه فعل ما حلف عليه وهو الوعد، ولا فرق بين وعد أقسم عليه وبين وعد لم يقسم عليه، وأيضًا فإن الله تعالى يقول {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (٥) .

فصح تحريم الوعد بغير استثناء، فوجب أن من وعد ولم يستثن فقد عصى الله تعالى في وعده ذلك، ولا يجوز أن يجبر أحد على معصية فإن استثنى فقال: إن شاء الله أو نحوه مما يعلقه بإرادة الله عز وجل فلا يكون مخلفا لوعده إن لم يفعل؛ لأنه إنما وعده أن يفعل إن شاء الله وقد علمنا أن الله لو شاء لأنفذه فإن لم ينفذه فإن الله لم يشأ كونه (٦) .

د- ويمكن الاستدلال لرأي الجمهور بأن الوعد تبرع محض من الواعد ولا دليل على وجوب التبرع على أحد، وهب أننا كيفنا الوعد على أنه عقد محله الوعد بعمل فإن هذا العقد يكون من عقود التبرعات، وهي بطبيعتها عقود غير لازمة، يجوز فسخها قبل بالقبض، لذلك قال النووي: استدل من لم يوجب الوفاء بأنه في معنى الهبة، والهبة لا تلزم إلا القبض عند الجمهور، وعند المالكية تلزم قبل القبض (٧) . وسيأتي أن المالكية يقولون بلزوم الوعد على تفصيل، على أن رأي الجمهور يرد عليه ظواهر نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية التي احتج بها من أوجب الوفاء بالوعد. وقد تأول الجمهور هذه النصوص وصرفوها عن ظاهرها بما يوافق مذهبهم، وسيأتي إيضاح ذلك عند عرض أدلة الموجبين للوفاء بالوعد فيما يلي.


(١) الموطأ بهامش المنتقى للباجي ٧/٣١٣
(٢) حاشية ابن الشاط على الفروق ٤/٢٢
(٣) ذكره القرافي في الفروق ٤/٢١ وانظر عون المعبود شرح سنن أبي داود للعظيم آبادي ١٣/٣٣٩ طبعة المكتبة السلفية بالمدينة المنورة
(٤) حاشية ابن الشاط على الفروق ٤/٢٢
(٥) سورة الكهف آية ٢٣/٢٤
(٦) المحلى ٨/٢٩
(٧) الأذكار ص٢٨٢

<<  <  ج: ص:  >  >>