للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صيغة الوعد:

جاء في فتح العلي المالك: " العدة أن يقول الرجل: أنا أفعل، وأما إذا قال: قد فعلت فهي عطية، وقوله: لك كذا وكذا أشبه بقوله: قد فعلت منه بأنا أفعل " (١) .

ومنه يفهم أن الصيغة التي ينبغي استعمالها في الوعد، هي صيغة الاستقبال المقترنة بسوف أو السين، أما اللفظ الماضي فإنه لا ينبئ عن الوعد وإنما هو يفيد التنجيز حالا (٢) .

على أنه لا يكون استعمال الفعل المضارع دائما يفيد الوعد، بل إن ذلك يعتمد القرائن الموجودة في سياق اللفظ، فإذا كان الفعل المضارع الذي يفهم من سياق الكلام وقرائن الأحوال أنه يفيد الالتزام جزما فهو ليس وعدا، أما إذا وجد مع المضارع ما يفيد إرادة المستقبل فإنه الوعد (٣) .

مشروعية الوعد:

الوعد مباح (٤) ، فلكل شخص أن يعد بالمعروف والخير من يشاء من الناس، لكن الذي ينبغي الإشارة إليه هو أن يتحفظ الشخص في إطلاق الوعود. للناس؛ لأن الوفاء بالوعد أمر مستقبل، والشخص لا يملك معرفة أحواله المستقبلية قال الله تعالى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} (٥) .

إذ قد يكون الواعد عاجزًا عن الوفاء فيكون مخلفا للوعد فيوصم بخصلة من خصال النفاق؛ لذلك فإن الإمام الغزالي رحمه الله قد اعتبر وعد الكاذب آفة، إذ يقول: "إن اللسان سباق إلى الوعد، ثم النفس ربما لا تسمح بالوفاء فيصير الوعد خلفا، وذلك من أمارات النفاق" (٦) .

هذا فضلا عما يثيره إخلاف الوعد من العداوة بين الواعد والموعود له، وهذا المحذور يؤيده ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ولا تعد أخاك وعدا فتخلفه فإن ذلك يورث بينك وبينه عداوة)) أورد الحديث ابن حزم، وقال بأنه حديث مرسل (٧) .

ومع أن الإباحة هي الأصل في الوعد لكنه قد يكون محرما إذا كان الموعود به محرما، كالوعد بخمر أو زنا، فإن هذا الوعد محرم، يحرم الوفاء به.


(١) انظر ٢٦٩/١
(٢) انظر قوة الوعد الملزمة في الشريعة والقانون، للأستاذ محمد رضا عبد الجبار، وقد نشر البحث في مجلة كلية الشريعة ببغداد العدد الثامن.
(٣) انظر فتح العلي المالك ٢٥٧/١
(٤) أحكام القرآن للجصاص ٤٤٢/٣
(٥) سورة لقمان الآية ٣٤
(٦) إحياء علوم الدين ١٣٢/٣
(٧) انظر المحلى ٢٩/٨

<<  <  ج: ص:  >  >>