للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أجاب ابن الشاط على استدلال القرافي هذا بما يلي (١) :

١- إن القول بأن الرسول عليه الصلاة والسلام منع السائل من الكذب المتعلق بالمستقبل، غير سليم وهي دعوى لا حجة عليها، ولعل السائل كان قصده من الكذب على زوجته أن يخبرها عن فعله مع غيرها من النساء بما لم يفعله أو غير ذلك مما يقصد به إغاظة زوجته، فلم يتعين أن المراد ما ذكره. كيف وأن ما ذكره هو عين الوعد، وما معنى الحديث إلا أنه صلى الله عليه وسلم " منعه من أن يخبرها بخبر كاذب يقتضي تغييظها به، وسوغ له الوعد؛ لأنه لا يتعين فيه الإخلاف لاحتمال الوفاء به سواء كان عازما عند الوعد على الوفاء أو على الإخلاف أو مضربا عنهما، ويتخرج ذلك في قسم العزم على الإخلاف على الرأي الصحيح ... من أن العزم على المعصية لا مؤاخذة به، إذ معظم دلائل الشريعة يقتضي المنع في الإخلاف" (٢) .

٢- إن القول بأن إخلاف الوعد لا يسمى كذبا لجعله قسيم الكذب، غير مسلم أيضًا؛ لأنه جعله قسيم الخبر عن غير المستقبل الذي هو كذب، فكان قسيمه من جهة كونه مستقبلا، وذلك غير مستقبل، أو من جهة كونه قد تعين أنه كذب، والوعد لا تعيين كونه كذبا.

٣- أما دعوى إخلاف الوعد لا حرج فيه، فليس بصحيح، بل فيه الحرج بمقتضى ظواهر الشرع إلا حيث يتعذر الوفاء، كما سنرى ذلك من الأدلة.

٤- إن القول بأنه لو كان قصد السائل الوعد الذي يفي به لما احتاج السؤال منه ... إلخ، فيجاب عليه، بأن السائل لم يقصد الوعد الذي يفي فيه على التعيين، وإنما قصد الوعد على الإطلاق وسأل عنه؛ لأن الاحتمال في عدم الوفاء اضطرارا أو اختيارا قائم، ورفع النبي صلى الله عليه وسلم عنه الجناح لاحتمال الوفاء، ثم إن وفى فلا جناح، وإن لم يف مضطرا فكذلك، وإن لم يف مختارا فالظواهر المتظاهرة قاضية بالحرج.

٥- إن القول: بأن قصد السائل إصلاح حال امرأته.... إلخ، إن هذا القول غير صحيح، إذ من أين يحصل العلم بأن الزوج لا يفعله وعلى أن يكون في حال الوعد غير متمكن مما وعد به؟ ومن أين يعلم عدم تمكنه منه في المستقبل؟ وإذا تعذر العلم بجميع ذلك، تعين أن يكون سؤال الزوج لاحتمال عدم الوفاء أو العزم على عدم الوفاء، فسوغ له عليه الصلاة والسلام ذلك؛ لأن عدم الوفاء لا يتعين أو لأن العزم على عدم الوفاء على تقدير أن عدم الوفاء معصية، ليس بمعصية (٣) .


(١) انظر أدرار الشروق على أنوار الفروق لابن الشاط والمطبوع بأسفل الفروق ٢١/٤
(٢) انظر أدرار الشروق على أنوار الفروق ٢١/٤
(٣) انظر ابن الشاط في المصدر السابق أيضًا ٢٢/٤

<<  <  ج: ص:  >  >>