للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالحديث عام في كل إنسان يظهر الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ويبطن ما يناقض ذلك كله أو بعضه، وهذا هو النفاق الأكبر، والنفاق الأصغر وهو نفاق العمل، وهو أن يظهر الإنسان علانية صَالِحَهُ ويبطن ما يخالف ذلك.

والنفاق هذا ترجع أصوله إلى الخصال المذكورة في هذا الحديث وغيره (١) .

واستدل أصحاب هذا الرأي أيضًا بقوله عليه الصلاة والسلام: ((والمسلمون على شروطهم)) (٢) ولما كان الوعد مما ألزم به الإنسان نفسه فعلى هذا يلزمه الوفاء.

واستدلوا أيضا بما روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: ((لما مات النبي صلى الله عليه وسلم جاء أبا بكر مال من قبل العلاء بن الحضرمي، فقال أبو بكر: من كان له على النبي صلى الله عليه وسلم دَيْنٌ أو كانت له قبله عِدَةٌ فليأتنا، قال جابر: فقلت: وعدني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيني هكذا وهكذا وهكذا، فبسط يديه ثلاث مرات، قال جابر: فعد في يدي خمسمائة، ثم خمسمائة، ثم خمسمائة)) (٣) .

وأخرجه البخاري بلفظ قريب في باب من تكفل عن ميت دَيْنًا (٤) . قال العيني: وقد استدل بعض الشافعية على وجوب الوفاء بالوعد في حق النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم زعموا أنه من خصائصه ولا دلالة فيه أصلا لا على الوجوب ولا على الخصوصية (٥) .

ومما استدل به أصحاب هذا الرأي ما أخرج البخاري وذكره في معرض الاحتجاج لوجوب الوفاء بالوعد عن المسور بن مخرمة أنه قال: " سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وذكر صهرا له فقال: وعدني فوفاني (٦) .

ومن ذلك أيضا قوله عليه الصلاة والسلام: ((وَأْيُ المؤمن واجب)) (٧) . بمعنى وعده واجب الوفاء به.

واستدلوا كذلك بما رواه الترمذي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا تمار أخاك ولا تمازحه ولا تعده موعدا فتخلفه)) (٨) .

وقد حمل أصحاب الرأي الأول الروايات التي استدل بها الفريق الثاني على الندب والاستحباب.


(١) انظر ابن رجب في المصدر السابق
(٢) ونص الحديث: " والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحًا حرم حلالًا، أو أحل حرامًا، والمسلمون على شروطهم إلا شرطا حرم حلالًا أو أحل حرامًا " نيل الأوطار ٢٨٧/٦
(٣) انظر عمدة القاري ٢٥٨/١٣، وصحيح البخاري بشرح فتح الباري ٢١٨/٦
(٤) انظر العيني في عمدة القاري ١٢١/١٢
(٥) انظر العيني في عمدة القاري ١٢١/١٢
(٦) انظر عمدة القاري ٢٥٨/١٣، وفتح الباري ٢١٨/٦
(٧) انظر الفروق للقرافي في ٤/٢٠
(٨) أخرجه الترمذي وقال عنه: حسن غريب، انظر تحفة الأحوذي ١٣١/٦، وكذا عارضة الأحوذي ١٦١/٨

<<  <  ج: ص:  >  >>