ويستفيد المؤمن على سيارته حصول الأمان والاطمئنان على نفسه وعلى سيارته التى يسوقها بنفسه أو يسوقها رجل فقير لا مال له ولا عاقلة، فيستفيد عدم المطالبة والمخاصمة في سائر الحوادث التى تقع بالسيارة متى كان التأمين كاملًا، وتقوم شركة التأمين بإصلاحها عند حدوث شيء من الأضرار بها. ومثل هذا الأمان والاطمئنان يستحق أن يبذل في حصوله نفيس الأثمان.
وليس فيه المحذور سوى الجهالة بالأضرار التى قد تعظم في بعض الأحوال فتقضى بهلاك بعض النفوس والأموال وقد لا تقع بحال.
وهذه الجهالة مغتفرة فيه كنظائره من سائر الضمانات. فقد ذكر الفقهاء صحة الضمان عن المجهول وعما لا يجب!.
قال في "المغنى": ويصح ضمان الجنايات، سواء كانت نقودًا كقيم المتلفات أو نفوسًا كالديّات، لأن جهل ذلك لا يمنع وجوبه بالإتلاف فلم يمنع جوازه بالالتزام. قال: ولا يشترط معرفة الضامن للمضمون عنه ولا علمه بالمضمون به لصحة ضمان ما لم يجب.. انتهى.
وهذه هى نفس قضية التأمين على ضمان حوادث السيارات، ثم إن هذه الجهالة في عقد التأمين لا تفضى إلى نزاع أبدًا، لتوطين الشركة أمرها في عقدها على التزام الضمان بالغًا ما بلغ، فلا تحس بدفع ما يلزمها من الغرامة في جنب ما تتحصل عليه من الأرباح الهائلة.
وقد دعت إليها الحاجة والضرورة في أكثر البلدان العربية، بحيث لا يمنح السائق رخصة سياقة إلا في سيارة مؤمنة وإلا اعتبروه مخالفًا لنظام سير البلد، وهذه مما يزول بها شبهة الشك في إباحتها وتتمخض للجواز بلا إشكال.
وفى هذا التأمين مصلحة كبيرة أيضا وهى أن المتصرفين بقيادة السيارات هم غالبًا يكونون من الفقراء الذين ليس لهم مال ولا عاقلة، فمتى ذهبت أرواح بعض الناس بسببهم وبسوء تصرفهم فلن تذهب معها دياتهم لورثتهم، بل يجب أن تكون مضمونة بهذه الطريقة.
إذ من المعلوم أن حوادث السيارات تقع دائمًا باستمرار وأن الحادثة الواحدة تجتاح هلاك العدد الكثير من الناس ومن الحزم وفعل أولى العزم ملاحظة حفظ دماء الناس وأموالهم.
وهذا التأمين وإن كان يراه الفقير أنه من الشيء الثقيل في نفسه ويعده غرامة مالية عليه حال دفعه لكنه يتحمل عنه عبئًا ثقيلًا من خطر الحوادث، مما يدخل تحت عهدته ومما يتلاشى معها ما يحس به من الغرامة لكون المضار الجزئية تغتفر في ضمن المصالح العمومية.. والله أعلم.