للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إزالة الشبهات اللاحقة لتأمين السيارات

إن العقود والشروط والشركات والمبايعات كلها مبنية على جلب المصلحة ودرء المفسدة، بخلاف العبادات، فإنها مبنية على التشريع والاتباع لا على الاستحسان والابتداع.

والفرق بينهما هو أن العبادات حق الله، يؤخذ فيها بنصوص الكتاب والسنة. أما المعاملات، فإنها مبنية على جلب المصلحة ودرء المفسدة، إذ هى من حقوق الآدميين بعضهم مع بعض. بحيث يتعامل بها المسلم مع المسلم والمسلم مع الكافر.

فمتى كان الأمر بهذه الصفة، فإنه ليس عندنا نص صحيح ولا قياس صريح يقتضى تحريم هذا التأمين يعارض به أصل الإباحة أو يعارض به عموم المصلحة المعلومة بالقطع.

إذ العقود والشروط عفو حتى يثبت تحريمها بالنص أو بالقياس الصحيح.

والتحريم هو حكم الله المقتضى للترك اقتضاء جازمًا كما حققه أهل الأصول وهذه الشركة المنعقدة للتأمين أن رأت في نفسها، من مقاصدها أو رآها الناس أنها تجارية استغلالية.

لكن حقيقة الأمر فيها والواقع منها أنه يتحصل منها اجتماع المنتفعين منفعتها في نفسها في حصول الأرباح لها ومنفعة الناس بها، فهى شركة تعاونية محلية اجتماعية تشبه شركة الكهرباء والأسمنت وغيرهما، فكل هذه الشركات تدخل في مسمى التعاون بين الناس، لأن الشخص غنى بإخوانه قوى بأعوانه ويد الله مع الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فهى من جنس المشاركة بالوجوه ومشاركة الأبدان ومشاركة المفاوضة. وقد حصل الخلاف قديمًا بين الفقهاء في جواز هذه المشاركات، فمنهم من قال بجوازها، ومنهم من قال بمنعها، كما حصل الخلاف في شركة التأمين على حد سواء ثم زال الخلاف عن هذه الشركات كلها واستقر الأمر على إباحتها على اختلاف أنواعها.

ووجه الإشكال دعوى دخولها في مسمى الجهالة والغرر الذي نهى عنه الشارع.

كما روى مسلم في صحيحه، قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر ".

<<  <  ج: ص:  >  >>