للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن الشارع توسع في بيان العلل والحكم في بيان أحكام المعاملات بين الناس، والأمور العادية بينهم، وأكثر ما علل به الحكم المناسبة التي تتصل بالمصالح، والتي تتلقاها العقول بالقبول. ففهمنا من ذلك أن الشارع قصد فيها اتباع المعاني، لا الوقوف مع النصوص، بخلاف باب العبادات فإن المعلوم فيه خلاف ذلك، وقد توسع في هذا القسم مالك – رحمه الله- حتى قال فيه بقاعدة المصالح المرسلة وقال فيه بالاستحسان، ونقل عنه أنه قال: (إنه تسعة أعشار العلم) (١) .

وقد استوعب الإمامان: أبو العباس الونشريسي وأبو عبد الله محمد الحطاب، بتركيز شديد أحكام العدة أو المواعدة، في كتابيهما إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك، للأول وتحرير الكلام في مسائل الالتزام، للأخير وسأقتصر في اقتناص أهم ما أورداه في الموضوع:

قال الحطاب: وأما العدة فليس في إلزام الشخص نفسه شيئا الآن، وإنما هي كما قال ابن عرفة: إخبار عن إنشاء المخبر معروفا في المستقبل، ولا خلاف في استحباب الوفاء بالوعد.

فالوفاء بالعدة مطلوب بلا خلاف، واختلف في وجوب القضاء بها على أربعة أقوال، حكاها ابن رشد في كتاب جامع البيوع وفي كتاب العارية وفي كتاب العدة، ونقلها عنه غير واحد.

القول الأول: - يقضى بها مطلقا.

القول الثاني: - لا يقضى بها مطلقا.

القول الثالث: - يقضى بها إن كانت على سبب، وإن لم يدخل الموعود لسبب العدة في شيء كقولك أريد أن أتزوج، أو أن أشتري كذا، أو أن أقضي غرمائي فأسلفني كذا، أو أريد أن أركب غدا إلى مكان كذا فأعرني دابتك، أو أن أحرث أرضي فأعرني بقرتك، فقال نعم ثم بدا له قبل أن يتزوج، أو أن يشتري أو أن يسافر فإن ذلك يلزمه ويقضى عليه به ما لم تترك الأمر الذي وعدك عليه، وكذا لو لم تسأله، وقال لك هو من نفسه أنا أسلفك كذا أو أهب لك كذا لتتزوج أو لتقضي دينك أو نحو ذلك فإن ذلك يلزمه ويقضى عليه به. ولا يقضى بها إن كانت على غير سبب، كما إذا قلت أسلفني كذا ولم تذكر سببا، أو أعرني دابتك، أو بقرتك ولم تذكر سببا ولا سفرا ولا حاجة فقال نعم ثم بدا له أو قال هو من نفسه أنا أسلفك كذا أو أهب لك كذا ولم يذكر سببا ثم بدا له.

القول الرابع: - يقضى بها إن كانت على سبب ودخل الموعود بسبب العدة في شيء وهذا هو المشهور في الأقوال (٢) .


(١) الموافقات ٢/٣٠٥،٣٠٧
(٢) تحرير الكلام في مسائل الالتزام ص١٥٣- ١٥٥

<<  <  ج: ص:  >  >>