للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المواعدة في المذهب المالكي

المذهب المالكي أحد المذاهب الإسلامية الكبرى الواسعة الانتشار، وخاصة في المغرب ومصر وغيرهما من أقطار العالم الإسلامي. نقل الشيخ محمد أبو زهرة عن المدارك للقاضي عياض: قوله: (غلب مذهب مالك على الحجاز والبصرة ومصر وما والاها من بلاد إفريقية والأندلس وصقليه والمغرب الأقصى إلى بلاد من أسلم من السودان إلى وقتنا هذا، وظهر ببغداد ظهورا كثيرا وضعف بها بعد أربعمائة سنة، وضعف بالبصرة بعد خمسمائة سنة وغلب في بلاد خراسان على قزوين أبهر، وظهر بنيسابور، وكان بها وبغيرها أئمة ومدرسون) (١) .

وقد تكلم الفقهاء المالكيون أكثر من غيرهم عن حكم العدة أو المواعدة بتفصيل لا نجده عند غيرهم، ولعل مرجع هذا إلى أن المصلحة في هذا المذهب أصل من الأصول التي قام عليها، خاصة في الأحكام الشرعية المتعلقة بالمعاملات الجارية بين بني الإنسان بعضهم مع بعض، وهو ما يسمى في اصطلاح الفقهاء بالعادات، وأن الأصل في هذا القسم هو الالتفات إلى المعاني والبواعث التي شرعت من أجلها الأحكام.

قال الشاطبي: إنا وجدنا الشارع قاصدا لمصالح العباد والأحكام العادية تدور معها حيث دارت، فترى الشيء الواحد يمنع في حال لا تكون فيه مصلحة، فإذا كان فيه مصلحة جاز، كالدرهم بالدرهم إلى أجل يمتنع في المبايعة، ويجوز في القرض، وبيع الرطب باليابس وحيث يكون مجرد غرر وربا من غير مصلحة، ويجوز إذا كانت فيه مصحلة راجحة، وقال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة:١٧٩] .

وقال تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: ١٨٨] وفي الحديث ((لا يقضي القاضي وهو غضبان)) و ((لا ضرر ولا ضرار)) وقال ((القاتل لا يرث)) ((ونهى عن بيع الغرر)) وقال ((كل مسكر حرام)) وقال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ} [المائدة: ٩١] إلى غير ذلك مما لا يحصى من الأحكام والنصوص، وكلها تشير إلى الصريح باعتبار المصالح أساسًا للإذن والنهي، وأن الإذن دائر معها أينما دارت.


(١) مالك تأليف محمد أبو زهرة ص٤٥٩

<<  <  ج: ص:  >  >>