للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن عبد البر رحمه الله: " إن العدة واجب الوفاء بها وجوب سنة وكرامة، وذلك من أخلاق أهل الإيمان، وقد جاء في الأثر " وأي المؤمن واجب " (١) أي واجب في أخلاق المؤمنين، وإنما قلنا: إن ذلك ليس بواجب فرضا، لإجماع الجميع على أن من وعد بمال ما كان لم يضرب به مع الغرماء كذلك قلنا إيجاب الوفاء به حسن في المروءة، ولا يقضى به، ولا أعلم خلافا أن ذلك مستحسن، يستحق صاحبه الحمد والشكر على الوفاء به، ويستحق على الخلف في ذلك الذم، وقد أثنى الله عز وجل على من صدق وعده ووفى بنذره، وكفى بهذا مدحا وبما خالفه ذما (٢) .

وقال ابن حزم: " ومن وعد آخر بأن يعطيه مالًا معينًا أو غير معين، أو بأن يعينه في عمل ما، حلف له على ذلك أو لم يحلف، لم يلزمه الوفاء به. ويكره له ذلك، وكان الأفضل لو وفى به، وسواء أدخله بذلك في نفقة أو لم يدخله، كمن قال: تزوج فلانة وأنا أعينك في صداقها بكذا وكذا أو نحو هذا، وهو قول أبي حنيفة والشافعي " (٣) .

(والرابع) إن كانت العدة مرتبطة بسبب، ودخل الموعود في السبب، فإنه يجب الوفاء بها كما يجب الوفاء بالعقد، أما إذا لم يباشر الموعود السبب فلا شيء على الواعد، كما إذا وعده بأن يسلفه ثمن دار يريد شراءها، فاشتراها حقيقة، أو أن يقرضه مبلغ المهر في الزواج " فتزوج اعتمادًا على هذا الوعد " ففي هذه الحالات وأمثالها يلزم الواعد قضاء بالوفاء بما وعد به، أما إذا لم يباشر الموعود تلك الأسباب، فلا يلزم الواعد بشيء.

وهذا هو القول المشهور والراجح في مذهب مالك (٤) . وعزاه القرافي إلى مالك وابن القاسم وسحنون (٥) .


(١) ذكره السيوطي في الجامع الصغير وأشار إلى أنه رواه أبو داود في المراسيل (الفتح الكبير ٣/٣٠١) ، كما نبه على ضعفه ابن حزم في المحلى ٨/٢٩
(٢) التمهيد ٣/٢٠٧
(٣) المحلى ٨/٢٨
(٤) تحرير الكلام في مسائل الالتزام للحطاب ص١٥٥، البيان والتحصيل لابن رشد ٨/١٨، المنتقى للباجي ٣/٢٢٧
(٥) الفروق للقرافي ٤/٢٥، وانظر مجالس العرفان لجعيط ٢/٣٤، وقارن بما نقل ابن عبد البر عن مالك وابن القاسم وسحنون في التمهيد ٣/٢٠٨، ٢٠٩

<<  <  ج: ص:  >  >>