للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأي الإمام الغزالي في إحيائه:

قال وهو يعدد آفات اللسان: الآفة الثالثة عشر: الوعد الكاذب " فإن اللسان سباق إلى الوعد، ثم النفس ربما لا تسمح بالوفاء فيصير الوعد خلفا، وذلك من أمارات النفاق ... قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] : " وقد أثنى الله تعالى على نبيه إسماعيل عليه السلام في كتابه العزيز فقال: {إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} [مريم: ٥٤] .

" ولما حضرت عبد الله بن عمر الوفاةُ قال: إنه كان خطب إليَّ ابنتي رجل من قريش وكان إليه مني شبه الوعد، فوالله لا ألقى الله بثلث النفاق. أشهدكم أني قد زوجته ابنتي.

وكان ابن مسعود لا يعد وعدا إلا ويقول: إن شاء الله، وهو الأولى.

ثم إذا فهم مع ذلك الجزم في الوعد، فلابد من الوفاء، إلا أن يتعذر، فإن كان عند الوعد عازما على أن لا يفي، فهذا هو النفاق. وقال أبو هريرة: قال النبي صلى الله عليه وسلم ((ثلاث من كن فيه هو منافق، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم ... )) الحديث. وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أربع من كن فيه كان منافقًا ... )) .. الحديث (١) .. وهذا ينزل على عزم الخلف أو ترك الوفاء من غير عذر، فأما من عزم على الوفاء فَعَنَّ له عذر منعه من الوفاء لم يكن منافقًا، وإن جرى عليه ما هو صورة النفاق، ولكن ينبغي أن يحترز من صورة النفاق أيضًا، كما يحترز من حقيقته، ولا ينبغي أن يجعل نفسه معذورًا من غير ضرورة حاجزة (٢) . اهـ.


(١) ذكر الإمام الغزالي هنا بعض أحاديث مثل: " العدة عطية " والوأي - أي الوعد - مثل الدين أو أفضل " وغيرهما.. تركناها لضعف أسانيدها، واكتفاء بصريح القرآن، وصحيح السنة
(٢) إحياء علوم الدين جـ٣: ١٣٢، ١٣ ط. دار المعرفة - بيروت

<<  <  ج: ص:  >  >>