وذكر الإمام البخاري في صحيحه رأي جملة من السلف ممن يرى وجوب إنجاز الوعد، فقد ترجم في كتاب " الشهادات" من الصحيح باب من أمر بإنجاز الوعد. قال: وفعله الحسن البصري أي أمر به، وذكر الآية الكريمة:{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ}[مريم: ٥٤]
قال: وقضى ابن الأشوع (وهو سعيد بن عمرو بن الأشوع، قاضي الكوفة في زمان إمارة خالد القسري على العراق وذلك بعد المائة بالوعد، وذكر ذلك عن سمرة بن جندب. قال أبو عبد الله البخاري: رأيت إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه يحتج بحديث ابن أشوع (أي الذي ذكره عن سمرة)) .
وذكر البخاري في الباب أربعة أحايث للدلالة على وجوب الإنجاز، منها: حديث آية المنافق ثلاث ... وحديث جابر: لما مات النبي صلى الله عليه وسلم جاء أبا بكر مال من قبل العلاء بن الحضرمي، فقال أبو بكر: من كان له على النبي صلى الله عليه وسلم دين أو كانت له قبله عدة فليأتنا.
ونقل الحافظ في الفتح قول المهلب: إنجاز الوعد مأمور به مندوب إليه عند الجميع، وليس بفرض، لاتفاقهم على أن الموعود لا يضارب بما وعد به مع الغرماء. اهـ.
قال الحافظ: ونقل الإجماع في ذلك مردود، فإن الخلاف مشهور، لكن القائل به قليل.
وقال ابن عبد البر وابن العربي: أجل من قال به عمر بن عبد العزيز، وعن بعض المالكية: إن ارتبط الوعد بسبب وجب الوفاء به، وإلا فلا، ومن قال لآخر: تزوج، ولك كذا، فتزوج بذلك، وجب الوفاء به.
وخرج بعضهم الخلاف على أن الهبة: هل تملك بالقبض أو قبله؟
قال الحافظ: وقرأت بخط أبي رحمه الله في إشكالات على الأذكار للنووي: ولم يذكر جوابا عن الآية: يعني قوله تعالى: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}[الصف: ٣] وحديث " آية المنافق " قال: والدلالة للوجوب منها قوية فكيف حملوه على كراهة التنزيه مع الوعيد الشديد (١) اهـ.
(١) انظر: صحيح البخاري – كتاب الشهادات – باب من أمر بإنجاز الوعد. وفتح الباري. جـ٦:٢١٧ – ٢١٩ ط مصطفى الحلبى.