للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوعد بالمعروف والوعد في المعاوضات:

وأما النقطة الثانية، وهي ما قيل من التفرقة بين الوعد بالصلة والمعروف وأنه هو الذي قيل بوجوبه، وبين الوعد في شئون المعاملات والمبادلات المالية، وأن هذا لم يقولوا بوجوبه.

فيهمني أن أؤكد في هذا أمرين:

الأول: أن النصوص التي أوجبت الوفاء وحرمت الإخلاف، جاءت عامة مطلقة ولم تفرق بين وعد ووعد، كما أشرنا إلى ذلك من قبل، ولا دليل عند المعارض يخصص عمومها، أو يقيد إطلاقها. ولهذا قال ابن شبرمة بصريح العبارة: الوعد كله لازم.

الثاني: أنه إن كان لا بد من تفرقة بين النوعين- فالأمر يبدو لي على خلاف ما قيل تماما.

والذي أراه أن الخلاف المنقول في الوعد ولزوم الوفاء به عند المالكية وغيرهم قد يقبل فيما كان من باب البر والمعروف والإرفاق، على معنى أن من وعد إنسانًا بصلة أو خدمة يقدمها له قد يجري فيه الخلاف السابق؛ لأن أصله تبرع محض، ويستقبح منه على كل حال إخلافه، وهذا ما تعارف الناس عليه وعبروا عنه في نثرهم بمثل قولهم: وعد الحر دين عليه، وفي شعرهم بمثل قول من قال:

إذا قلت في شيء: " نَعَمْ " فأتمه

فإن " نَعَمْ " دين على الحر واجب!

وإلا فقل: " لا " فتسترح وترح بها

لئلا يقول الناس: إنك كاذب!

وهذا ما لم يدخل بسبب الوعد في ارتباط مالي، فإنه يشبه أن يكون تعاقدا ضمنيا..

ومن هذا ما تَعِدُ به الحكومات موظفيها من علاوات وترقيات وإعانات اجتماعية في حالة الزواج والإنجاب وغيرها.

وما تعد به الوزارات والمؤسسات العاملين فيها من مكافآت وحوافز لمن يقوم بجهد معين كعمل إضافي أو خدمة معينة، أو تحسين لمستوى العمل، أو نحو ذلك فيجب أن توفي به.

<<  <  ج: ص:  >  >>