ومن ذلك عقد (الجعالة) فإنما هو وعد من (الجاعل) كأن يقول: من رد علي مالي المفقود، فله كذا.. فرده عليه، فيلزمه إعطاؤه ما وعد به.
ومن ذلك ما تعد به المؤسسات الثقافية من جوائز تمنحها لمن يستوفي شروط السبق في مسابقات علمية تعلن عنها، ومثلها المسابقات الرياضية ونحوها.
أما الذي ينبغي ألا يقبل الخلاف فيه، فهو: الوعد في شئون المعاوضات والمعاملات، التي يترتب عليها التزامات وتصرفات مالية واقتصادية، قد تبلغ الملايين، ويترتب على جواز الإخلاف فيها إضرار بمصالح الناس وتغرير به.
فالوفاء بالوعد هناك كالوفاء بالعهد. لهذا وضعت بعض الأحاديث:((إذا عاهد غدر)) مكان ((إذا وعد أخلف)) فالمعنيان متلازمان أو متقاربان. وقد ذكر الغزالي في الاستدلال على وجوب الوفاء بالوعد قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}[المائدة: ١] . دلالة على أن الوعد داخل في " مسمى العقود ".
كما أدخل ابن القيم الوعود مع العقود والعهود والشروط جميعا في باب واحد، فكما أن المسلمين عند شروطهم، فهم كذلك عند وعودهم؛ لأنهم لا يقولون ما لا يفعلون.
ومن هنا أستغرب اتجاه د. الأمين، ود. الأشقر إلى عكس ذلك تماما، على حين رأينا المالكية الذين اعتمدا مذهبهم، يرجحون الإلزام بالوعد ديانة وقضاء إذا ترتب عليه شيء من الالتزام المالي، فكيف لا نتجه إلى القول بلزوم الوفاء إذا كانت المعاملة كلها قائمة من الأساس على التزام مالي متبادل؟
أما أن المالكية لا يقولون بالإلزام بالوعد في هذه الصورة بالذات، فلما عارضه- في نظرهم – من أدلة أخرى أوجبت منع هذه الصورة.
وقد بينا ضعف هذه الأدلة في موضع آخر، ولهذا لا يلزمنا تقليدهم هنا، ولا مانع أبدا من الأخذ برأيهم في الإلزام بالوعد، وعدم الأخذ برأيهم في بيوع الآجال، أو بيوع العينة.
على أننا قد وجدنا بحمد الله من غير المالكية من فقهاء الأمة من قال بالإلزام، فمن كان يرى أن رأي المالكية إما أن يؤخذ كله، وإما أن يترك كله، تركنا له رأيهم كله، ووسعنا أن نأخذ برأي الآخرين من القائلين بالإلزام، وهم عدد غير قليل.