١٠- ونظرا إلى أن جمهور القائلين بالإلزام بالوعد على تفصيل بينهم، هم فقهاء المذهب المالكي، ولقد كتب أبو عبد الله محمد عليش في الموضوع بحثا قيما مستفيضا تكلم فيه عن الوعد وأقسامه، وحكم كل قسم مستعرضا في ذلك نصوص فقهاء مذهبه - المذهب المالكي - وذلك في كتابه فتح العلي المالك المشهور فتاوى عليش وذلك في الجزء الأول ص ٢٥٤- ٢٥٨ رأيت أن هذا البحث مجز عن استعراض أقوال فقهاء المذهب المالكي وعليه فقد جرى مني نقله بكامله وجعله بعضا من هذه النقول في المسألة: قال أبو عبد الله محمد أحمد عليش المتوفى ١٢٩٩ رحمه الله في كتابه فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك ما نصه:
(تنبيه) يجب الوفاء بنذر العتق وإن لم يكن في ملك الناذر حينئذ ما يعتقه، قال في كتاب النذور من المدونة فيمن نذر عتق رقبة فلم يستطعها: إن الصوم لا يجزئه فهذا يدل على أنه يلزم الوفاء به، وإن لم يكن في ملكه من يعتقه، وقال في رسم العبرة من سماع يحيى من كتاب العتق في رجل جعل على نفسه رقبة من ولد إسماعيل، قال مالك: ليعتق رقبة، قيل له: أيجزئه رقبة من الذبح؟ قال: ليعتق رقبة أقرب الرقاب إلى ولد إسماعيل، قال ابن رشد: وهذا كما قال؛ لأن للشريف في النسب حرمة توجب التنافس في العبيد من أجلها وكزيادة في ثمنها والأجر على قدر ذلك اهـ.
(فصل) وأما العدة فليس فيها إلزام الشخص نفسه شيئا الآن وإنما هي كما قال ابن عرفة: إخبار عن إنشاء المخبر معروفًا في المستقبل، ولا خلاف في استحباب الوفاء بالوعد. وقد قال مالك في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من كتاب الحج ومن كتاب العدة فيمن هلك وعليه مشي إلى بيت الله عز وجل فسأل ابنه أن يمشي عنه فوعده بذلك، فقال مالك: أما إذا وعد فإني أحب له أن لو فعل ذلك، ولكن ما ذلك رأي أو يمشي أحد عن أحد، ولكني أحب له إذا وعده أن يفعل ذلك. قال ابن رشد: المعنى في هذه المسألة أن مالكا استحب له أن يفي لأبيه بما وعده به من المشي عنه وإن كان ذلك عنده لا قربة فيه من ناحية استحباب الوفاء بالوعد في الجائزات التي لا قربة فيها. اهـ.