فالوفاء بالعدة مطلوب بلا خلاف واختلف في وجوب القضاء بها على أربعة أقوال حكاها ابن رشد في كتاب جامع البيوع، وفي كتاب العارية، وفي كتاب العدة ونقلها عنه غير واحد فقيل: يقضى بها مطلقا، وقيل: لا يقضى بها مطلقا، وقيل: يقضى بها إن كانت على سبب وإن لم يدخل الموعود بسبب العدة في شيء كقولك: أريد أن أتزوج أو أن أشتري كذا أو أن أقضي غرمائي فأسلفني كذا، أو أريد أن أركب غدا إلى مكان كذا فأعرني دابتك، أو أن أحرث أرضي فأعرني بقرك، فقال: نعم، ثم بدا له قبل أن يتزوج أو أن يشتري أو أن يسافر فإن ذلك يلزمه ويقضى عليه به فإن لم يترك الأمر الذي وعدك عليه وكذا لو لم تسأله، وقال لك هو من نفسه: أنا أسلفك كذا لتقضي دينك أو لتتزوج أو نحو ذلك، فإن ذلك يلزمه ويقضى به عليه، ولا يقضى بها إن كانت على غير سبب كما إذا قلت: أسلفني كذا ولم تذكر سببا أو: أعرني دابتك أو بقرك ولم تذكر سفرا ولا حاجة، فقال: نعم، ثم بدا له أو قال هو من نفسه: أنا أسلفك كذا أو: أهب لك كذا، ولم يذكر سببا ثم بدا له والراجح يقضى بها إن كانت على سبب ودخل الموعود بسبب العدة في شيء، وهذا هو المشهور من الأقوال، قال في آخر الرسم الأول من سماع أصبغ من جامع البيوع قال أصبغ: سمعت أشهب وسئل عن رجل اشترى من رجل كرما فخاف الوضيعة، فأتى ليستوضعه، فقال له: بع وأنا أرضيك، قال: إن باع برأس ماله أو بربح فلا شيء عليه، وإن باع بالوضيعة كان عليه أن يرضيه، فإن زعم أنه أراد شيئا سماه فهو ما أراد، وإن لم يكن أراد شيئا أرضاه بما شاء وحلف بالله ما أراد أكثر من ذلك إن لم يكن أراد شيئًا يوم قال ذلك: قال أصبغ.. وسألت عنها ابن وهب فقال: عليه رضاه بما يشبه ثمن تلك السلعة والوضيعة فيها قال أصبغ: قول ابن وهب هو أحسن عندي وهو أحب إلي إذا وضع فيها، قال محمد بن رشد: قوله بع وأنا أرضيك عدة إلا أنها عدة على سبب وهو البيع، والعدة إذا كانت على سبب لزمت بحصول السبب في المشهور من الأقوال، وقد قيل: إنها لا تلزم بحال، وقيل: إنها تلزم على كل حال، وقيل: إنها تلزم إذا كانت على سبب وإن لم يحصل السبب. وقول أشهب: إن زعم أنه أراد شيئا سماه فهو ما أراد يريد مع يمينه ومعناه إذا لم يسم شيئا يسيرا لا يشبه أن يكون أرضاه، والدليل على أنه يحلف على مذهبه إذا قال: أردت كذا وكذا لما يشبه قوله إنه إن لم يكن أراد شيئا أرضاه بما شاء وحلف أنه ما أراد أكثر من ذلك، وجوابه هذا على أصله في كثير من مسائله إذ لا يؤخذ بأكثر مما يقر به على نفسه، واليمين في هذا يمين تهمة؛ إذ لا يمكن المستوضع أن يدعي بينة فيحقق الدعوى عليه بخلاف ما ذكر أنه أراده فيدخل فيها من الخلاف ما يدخل في يمين التهمة، وأما ابن وهب فأخذه بمقتضى ظاهر لفظه وألزمه إرضاءه إلا أن لا يرضى بما يقول الناس فيه أنه أرضاه، فلا يصدق إن لم يرض ويؤخذ بما يقول الناس فيه أنه أرضاه، هذا معنى ولو حلف ليرضيه لم يبر إلا باجتماع الوجهين وهما أن يضع عنه ما يرضى به وما تقول الناس فيه أنه أرضاه وقد مضى ما يدل على هذا في رسم سلف من سماع عيسى من كتاب النذور في الحلف ليرضين غريمه من حقه اهـ.