قلت: وهذا القول الذي شهره ابن رشد في القضاء بالعدة إذا دخل بسببها في شيء قال الشيخ أبو الحسن في أول كتاب الأول وفي كتاب الغرر: إنه مذهب المدونة لقولها في آخر كتاب الغرر: وإن قال: اشتر عبد فلان وأنا أعينك بألف درهم فاشتراه لزمه ذلك الوعد اهـ. وهو قول ابن القاسم في سماعه من كتاب العارية وقول سحنون في كتاب العدة ونصه في سماع عيسى: قلت لسحنون: ما الذي يلزم من العدة في السلف والعارية قال: ذلك أن يقول الرجل للرجل: اهدم دارك وأنا أسلفك أو اخرج إلى الحج وأنا أسلفك أو تزوج امرأة وأنا أسلفك، وعزاه له ابن رشد في رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم من كتاب العارية، وقال القرافي في الفروق الرابع عشر بعد المائتين قال سحنون: الذي يلزم من الوعد اهدم دارك وأنا أسلفك ما تبنى به أو: اخرج إلى الحج وأنا أسلفك أو اشتر سلعة أو تزوج امرأة وأنا أسلفك؛ لأنك أدخلته بوعدك في ذلك، أما مجرد الوعد فلا يلزم الوفاء به بل الوفاء به من مكارم الأخلاق اهـ.
وقال اللخمي في كتاب الشفعة لها ذكر حجة مقابل المشهور القائل بلزوم إسقاط الشفعة قبل الشراء ما نصه: ولو قال له: اشتر هذا الشقص والثمن علي، فاشتراه لزم أن يغرم الثمن الذي اشتراه به؛ لأنه أدخله في الشراء وهذا قول مالك وابن القاسم اهـ.
والقول بأنه يقضي بها إذا كانت على سبب وإن لم يدخل بسببها في شيء هو قول أصبغ في كتاب العدة وقول مالك في رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم وهو قوي أيضا، والقول بعدم القضاء بها مطلقا في سماع أشهب من كتاب العارية والقول بالقضاء بها مطلقا لم يعزه ابن رشد، وهذان القولان ضعيفان جدا والله أعلم.
(فرع) إذا قال له: إن غرمائي يلزمونني بدين فأسلفني أقضهم، فقال: نعم ثم بدا له فقال أصبغ من سماع عيسى من كتاب العدة: يلزمه ذلك، ويحكم عليه به وهو جار على قوله: بلزوم العدة إذا كانت على سبب ولم يدخل بسببها في شيء، وقال ابن القاسم: إنما يلزمه إذا اعتقد الغرماء منه على موعد أو أشهد بإيجاب ذلك على نفسه وذلك على أصله من أنه لا يقضي بالعدة إلا إذا دخل بسببها في شيء، ولو قال: أشهدكم أني فاعل أو أفعل فظاهر كلام مالك في سماع ابن القاسم من العارية أنه تردد في الحكم عليه بذلك، وأن الظاهر اللزوم. قال ابن رشد ولو قال: أشهدكم أني قد فعلت لما وقف في إيجابه عليه ولزوم القضاء به اهـ.
(فرع) قال في سماع أشهب من كتاب العارية فيمن حلف ليوفين غريمه إلى أجل، فلما خشى الحنث ذكر ذلك الرجل فقال: لا تخف ائتين هذه العشية أعطيكها، فلما كان العشي جاءه فأبى أن يعطيه فقال له: أغررتنى حتى خفت أن يدخل علي الطلاق أقراه له لازما، فقال له: لا والله ما أرى ذلك لازما له وما هو من مكارم الأخلاق ولا محاسنها قال ابن رشد قد قيل إنه يلزمه وهو الأظهر؛ لأنه غره ومنعه أن يحتال لنفسه بما يبر به من سلف أو غيره اهـ.
قلت فالقول الأول مبني على أن العدة لا يقضى بها ولو كانت على سبب ودخل في السبب وقد تقدم أنه في سماع أشهب من العارية، والثاني مبني على أنه يقضي بها إذا كانت على سبب وعلى المشهور أيضا؛ لأنه قد أدخله بسبب العدة في عدم الاحتيال لنفسه حتى خشي الحنث والله تعالى أعلم.