للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ب- أدلة هذا المذهب الثاني:

منها ما أخرجه الإمام مالك في " الموطأ ((أنه قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أكذب لامرأتي؟ فقال صلى الله عليه وسلم " لا خير في الكذب" فقال: يا رسول الله: أفأعدها وأقول لها؟ فقال صلى الله عليه وسلم " لا جناح عليك ")) .

ووجه الاستدلال من هذا الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم منع السائل من الكذب المتعلق بالمستقبل، ونفى الجناح عن الوعد، فإخلاف الوعد لا يسمى كذبا لجعله صلى الله عليه وسلم قسيما له، ولو كان منه لم يجعله قسيما له، فإخلاف الوعد لا حرج فيه، ولو كان المقصود في مثل هذا الحديث – الوعد الذي يفى به – أي يريد الوفاء به- لما احتاج للسؤال عنه، ولما ذكره مقرونا بالكذب، فتبين من ذلك أن مقصود الرجل إصلاح حال زوجته بما لا يفعله. فتخيل الحرج في ذلك فاستوضح النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ... انظر: ما قاله القرافي في " الفروق".

أجاب ابن الشاط في حاشيته على الفروق عن هذا الاستدلال إجابة حرفية خلاصتها كالتالي: إن القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم منع السائل من الكذب المتعلق بالمستقبل، غير سليم، إذ يمكن أن يكون قصده من الكذب على زوجته أن يخبرها عن فعله مع غيرها من النساء بما لم يفعله إغاظة لزوجته، فلم يتعين أن المراد ما ذكر، ومعنى الحديث، أنه صلى الله عليه وسلم منعه من أن يخبرها بخبر كاذب يقتضى تغييظها به وأجاز له الوعد لأنه لا يتعين فيه الإخلاف. لاحتمال الوفاء به، إذ معظم دلائل الشريعة يقتضي المنع في الإخلاف ...

- ومنها: ما أخرجه أبو داود في سننه من حديث زيد بن أرقم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا وعد الرجل أخاه ومن نيته أن يفي له، فلم يف ولم يجئ للميعاد، فلا إثم عليه.))

- ومنها – ما في الوعد من معنى التبرع المحض، فقد قال الإمام النووي في " الأذكار" " استدل من لم يوجب الوفاء – بالوعد- بأنه في معنى الهبة - قبل قبضها- والهبة لا تلزم إلا بالقبض عند الجمهور، وعند المالكية تلزم قبل القبض " فالهبة تبرع محض كالوعد- ولا دليل على وجوب التبرع المحض على أحد شرعا.

<<  <  ج: ص:  >  >>