للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا. وإن أدلة هذا الفريق أقل من أدلة الموجبين. وإنها لا تصل إلى درجة القمة التي وصلت من حيث الصحة والوصف.

ولذا تأولوا الآيات والأحاديث التي استدل بها الموجبون.

وقالوا: إن الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: ٢] .

إنها نزلت على قوم تمنوا فريضة الجهاد عليهم، فلما فرض الجهاد عليهم نكل بعضهم، كقوله تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [النساء: ٧٧] . وكقوله تعالى {وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} [محمد٢٠] فهي خاصة فيهم أو في أمور الجهاد. وهو اختيار ابن جرير. وقول ابن عباس.

وقالوا- أيضا- إن المراد بالآية الإنكار على الذين يقولون ما لا تفعلون خاصة في الأمور الواجبة كالوعد بإنجاز دين وأداء حق ونحو ذلك..

كما تأولوا الآية الثانية: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ ... } إلخ [التوبة ٧٥] .. بأنها تخبر عن النذر، والوفاء به فرض وواجب.

وأجابوا عن الأحاديث التي وردت بأن إخلاف الوعد خصلة وعلامة مميزة للنفاق وأهله بأن الحديث مصروف عن ظاهره، وأن النفاق الوارد في الحديث مصروف عن حقيقة النفاق، فقالوا كما في " فتح الباري" إن المراد بإطلاق النفاق: الإنذار للمسلم وتحذيره عن ارتكاب هذه الخصال واعتيادها، لئلا تفضي به إلى حقيقة النفاق، وهو ما حكاه الخطابي وارتضاه.

وقال بعض منهم: إن المنافقين الذين يذكرهم الحديث هم الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، فحدثوا بإيمانهم وكذبوا، وائتمنهم النبي صلى الله عليه وسلم على سره فخانوه، ووعدوه بالخروج معه للجهاد فأخلفوه.

وقال أكثرهم: إن معنى الحديث: إن الخصال المعدودة فيه خصال نفاق وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال، وهو متخلق بأخلاقهم، لأن النفاق إظهار لما يبطن خلافه، ويكون نفاقه في حق: من وعده وخاصمه وحدثه وائتمنه وعاهده من الناس، ولا يكون منافقا في الإسلام: فيظهره ويبطن الكفر، فليس مراد النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث نفاق الكفار المخلدين في الدرك الأسفل من النار، وقالوا: إن معنى قوله صلى الله عليه وسلم ((كان منافقا خالص)) ، أي شديد الشبه بهم بسبب تلك الخصال.

وقال الترمذي في " سننه" عقب حديث ابن عمر ((أربع من كن فيه كان منافقا.. إلخ)) . " إنما معنى هذا عند أهل العلم نفاق العمل، وإنما كان نفاق التكذيب على عهد الله صلى الله عليه وسلم، هكذا روي عن الحسن البصري شيء من هذا. وارتضاه كل من القرطبي والعسقلاني- كما في " الفتح". ولكن العسقلاني قال فيه " إن أصحاب هذا التفسير قد استدلوا بأحاديث ضعيفة ولو صحت لوجب المصير إليها ".

<<  <  ج: ص:  >  >>