للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هـ- المذهب الثالث: التفصيل في وجوب الوفاء بالوعد: وهو مذهب المالكية ومن وافقهم.

ذهب فقهاء المالكية فيما يجب الوفاء به من الوعود وما لا يجب إلى التفصيل الآتي، وافترقوا في ذلك إلى فرقتين:

ذهب الفريق الأول: إلى أن الوعد يكون لازما فيجب الوفاء به ويقضي القاضي به على الواعد إذا كان الوعد قد تم على سبب ودخل الموعود له في شيء من سبب الوعد أما إذا لم يدخل الموعود له في شيء من ذلك فلا شيء على الواعد ولا يجب الوفاء به كما لا يقضي عليه القاضي به.

وهو القول الراجح المشهور في مذهب الإمام مالك، وعزاه القرافي إلى الإمام مالك نفسه، وابن القاسم، وسحنون، وعليه المدونة.

قال القرافي في " الفروق" اختلف العلماء في الوعد هل يجب الوفاء به شرعا أم لا؟ قال مالك: إذا سألك أن تهب له دينارا فقلت: نعم ثم بدا لك- أن لا تفي له – لا يلزمك – ولو كان إفراق الغرماء عن وعد وإشهاد لأجله لزمك لإبطالك مغرما بالتأخير، وقال سحنون: الذي يلزم من الوعد قولك اهدم دارك وأنا سأسلفك ما تبني به، أو أخرج إلى الحج وأنا أسلفك – ما تحج به مثلا – أو اشتر سلعة أو تزوج امرأة وأنا أسلفك- كذا وكذا – لأنك أدخلته بوعدك في ذلك. أما مجرد الوعد فلا يلزم الوفاء به، بل الوفاء به من مكارم الأخلاق.. ".

وقال القرافي – أيضا – وبذلك قضى عمر بن عبد العزيز رحمه الله. ونقل من مؤيدي هذا القول هذا المثال، أو قريبا منه: إذا اشترى رجل من آخر كرما، فخاف الوضعية- أي الكساد - فأتى المشتري إلى بائع الكرم ليستوضعه فقال له البائع، بع وأنا أرضيك، فإن باع المشتري الكرم برأس ماله أو بربح فلا شيء على الواعد. وإن باع بالوضعية كان عليه أن يرضيه وإن زعم الموعود له أن أراد شيئا أو قدرًا سماه – أثناء ممارسة عمله – فله ما أراد اتفاقا، وإن لم يكن أراد شيئا معينا أرضاه الواعد بما شاء، وحلف بالله أنه ما أراد أكثر من ذلك.

وقالوا: إن هذا هو رأي أشهب. أما على رأي ابن وهب: فإن على الواعد إرضاء الموعود له بالمثل، وهو ما يكون مرضيا عند الناس، أما لو حلف الواعد أثناء وعده ليرضينه فإن عليه أن يوفيه بما يرضيه ويرضي الناس.

وذهب الفريق الثاني، وهو قول أصبغ ومن وافقه من السلف والخلف إلى أن الوعد يكون لازمًا ويجب الوفاء به ويقضي القاضي به على الواعد إذا تم الوعد على سبب وإن لم يدخل الموعود له في ممارسة شيء من السبب.

وقالوا: إنه مذهب قوي.

<<  <  ج: ص:  >  >>