للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و أدلة هذا المذهب الثالث:

قال أصحابه: إن النصوص الشرعية بهذا الأمر قد تعارضت تعارضًا حادًا فمنها: ما أوجب الوفاء بالوعد مطلقًا، أي سواء كانت مرتبطة بسبب أم لا، وسواء دخل الموعود له في ممارسة السبب أم لا، كلف الموعود له بتكلفة أم لم يكلف ... وهي التي ساقها موجبو الوفاء بالوعد، كأحاديث النفاق ومنها- ما لم يوجب الوفاء به مطلقا، ولم يجعل إخلاف الوعد من الكذب كحديث أبي داود والترمذي والموطأ. كما فهمها الجمهور.

فاحتاج الموقف إلى تفصيل وتكييف وتوفيق بين الأدلة، لاسيما إذا لوحظ نحو قوله تعالى: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف ٣] والتي قبلها، لأنها نزلت في قوم كانوا يقولون جاهدنا وما جاهدوا وفعلنا أنواع الخيرات وما فعلوا أو قالوا: لو حصل لنا كذا وكذا لنفعلن كذا وكذا ولا يوفون ولا شك أن هذا وأمثاله محرم لأنه كذب، فلاحظوا تلك الناحية، وكذلك لاحظوا كون مخلف الوعد منافقا وكاذبا فحملوا الإخلاف على ظاهره، كما لاحظوا أن تحويل التبرعات المجانية إلى ملازمات قضائية من غير سبب. فأرادوا الجمع بين الأدلة.

فوافقوا رأي من أوجب الوفاء بالوعد إذا كان الوعد مرتبطا على سبب وباشره الموعود له.

ووافقوا رأي من لم يلزم الوفاء بالوعد، فيما عدا ذلك من الوعود المجردة، كما ذكره القرافي في كتاب " الفروق".

وقال ابن الشاط في حاشيته على الفروق ما مؤداه " ينبغي الجمع بين الأدلة وتأويل ما يناقض ذلك، فيحمل حديث المالكي وأبي داود بما يتسق مع الآية وحديث خصال المنافق، وذلك بأن تكون المسامحة في إخلاف الوعد اضطرارًا ".

<<  <  ج: ص:  >  >>