للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الرابع: الخلاصة:

الرأي الراجح:

لقد اتضح لنا من خلال ما نقلنا في بحثنا هذا عن أئمة الفقه المشهورين رحمهم الله: أن لهم اتجاهات ثلاثة حول الوفاء بالوعد.

- اتجاه الجمهور الذين يرون استحباب الوفاء بالوعد مطلقا وكراهة الإخلاف فيه كراهة شديدة، وعدم وجوب الوفاء به.

- واتجاه العلماء الذين يرون أن الوعد لازم، والوفاء به واجب.. إلخ.. وهم الذين قد قيل: إن أجلهم الخليفة عمر بن عبد العزيز، وابن شبرمة الفقيه المالكي، وعد منهم تقي الدين السبكي الشافعي، وغيرهم من العلماء الأجلاء.

- واتجاه العلماء الذين فصلوا الوعد إلى وعد مجرد، وغير مجرد. وهم أكثر المالكية.

وتبيين لنا – أيضا- من خلال ما استدل به كل فريق لرأيه من أدلة، وجاهة رأي القائلين بوجوب الوفاء بالوعد مطلقًا. ديانة وقضاء، سواء كان الوعد مقيدا بسبب أو غير مقيد، وذلك من حيث رجحان الأدلة التي استدلوا بها، فإنها أدلة صحيحة وقوية وواضحة كما لا يخفى.

وتبين لنا – أيضا- من ذلك كثرة هذا الفريق وثقل مذاهبهم وأئمتهم، أعني الحنفية قاطبة وغالبية علماء الشافعية، والحنابلة. والإمامية وغيرهم الذين ذهبوا إلى استحباب الوفاء بالوعد وكراهة الإخلاف فيه وعدم لزومه، وقد أجابوا عن أدلة الموجبين إجابات لم يقتنع بها كثير من الأصوليين.

ولكننا قد وجدنا أدلتهم التي استدلوا بها لرأيهم ونقلنا منها ما نقلناه فوجدناها أنها ليست رفيعة الدرجة، إن لم تكن ضعيفتها.

وقد ذكر الترمذي في سند الحديث الذي أخرجه أبو داود أيضًا من حديث زيد ابن أرقم أن فيه مجهولين.

ولم يسلم من الجرح شيء أو حديث واحد مما استدلوا من الأحاديث إلا حديث الموطأ، وقد عرفنا كيف فسره الآخرون.

وتبين لنا من ذلك- أيضا- وجاهة رأي القائلين بالتفصيل حيث توسطوا بين الفريقين، فوافقوا القائلين بالوجوب فيما إذا كان الوعد مصحوبا بسبب فقط، محترمين الأدلة الواردة.

ووافقوا الآخرين إذا كان الوعد مجردا فقط.

وبرأيي المتواضع: أؤيد أو أرجح رأي هؤلاء الذين يقولون بالتفصيل، وأوافقهم من حيث المبدأ من غير تعصب لمذهب.. ولكن لي ملاحظة حول هذا التفصيل لم أر إبداءها قبل أن أجد ما قال علماء القانون العصريون حول الوعود الدولية فإني لم أجد شيئا وأن قل ما قالوه.

فلذا أحببت أن أدخر ملاحظتي إلى وقت المناقشة، وفقني الله وإياكم إلى ما فيه الحق والصواب.

إنه ولي التوفيق.

الشيخ هارون خليف جيلي

<<  <  ج: ص:  >  >>