للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا أخلف الواعد وعده، هل يلزم به قضاء وحكما؟ الخلاف في هذا على أقوال ثلاثة:

القول الأول: عدم الإلزام بالوفاء به مطلقا..

وهو مذهب الجمهور منهم: الثلاثة ورواية عن مالك، ومذهب داود، وابن حزم، وقد حكى عليه الإجماع: المهلب، وابن بطال، وابن عبد البر، وتعقبه الحافظ ابن حجر بوجود المخالف لكنه قليل.

القول الثاني: الإلزام بالوفاء بالوعد مطلقا.

قال به: عمر بن عبد العزيز، وابن الأشوع الهمداني الكوفي، وابن شبرمة.

القول الثالث: التفصيل: إن أدخل الواعد بوعده في (ورطة) لزم الوفاء به وإلا فلا يلزم الوفاء به، وهو رواية عن مالك رحمه الله تعالى.

ومثاله: من قال لرجل: تزوج، فقال: ليس عندي ما أصدق به الزوجة، فقال: تزوج وألتزم لها الصداق وأنا أرفق عنك، فتزوج على هذا الأساس فقد احتمل الوعد (ورطة) فيلزم بالوفاء به.

وأدلة القول الأول: وهو قول الجمهور من عدم الإلزام بالوعد قضاء مطلقا، فقد استدل له بالإجماع على أن الموعود لا يضارب بما وعد به مع الغرماء، حكاه المهلب، وابن بطال، وابن عبد البر، قال المهلب (١) : (إنجاز الوعد مأمور به مندوب إليه عند الجميع، وليس بفرض لاتفاقهم على أن الموعود لا يضارب بما وعد به مع الغرماء) اهـ.

وقال ابن بطال: (٢) (لم يرو أحد من السلف وجوب القضاء بالعدة، أي مطلقا، وإنما نقل عن مالك أنه يجب منه ما كان بسبب) اهـ.

وذكر الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى- تعقب الإجماع في ذلك فقال (٣) : (ونقل الإجماع في ذلك مردود فإن الخلاف مشهور لكن القائل به قليل، وقال ابن عبد البر، وابن العربي: أجل من قال به عمر بن عبد العزيز) اهـ.

ووجه هذا القول من حيث النظر: أنه وعد بمعروف محض (٤) ، ولا سبيل عليه بالإلزام في المعروف. والله أعلم.

واستدل له أيضا بالهبة فإنها لا تتم عند الجمهور إلا بالقبض خلافا للمالكية، وذلك يقتضي على مذهب الجمهور: عدم الحكم بها قضاء فيما لو رجع الواهب عنها قبل قبض الموهوب له إياها.


(١) فتح الباري ٥/٢٩٠
(٢) فتح الباري ٥/٢٢٢
(٣) فتح الباري ٥/٢٩٠
(٤) أضواء البيان ٤/٣٢٥

<<  <  ج: ص:  >  >>