للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعليه:

فإذا كانت الهبة لا تلزم إلا بالقبض فكيف يلزم بالهبة لو وعده بها مجرد وعد إذا قال له: سوف أهبك إياها (١) .

ولهذا استدل بهذا الفرع على عدم وجوب الوفاء بالوعد: ابن قدامة في (المغني) والنووي في (الأذكار) وقال:

(واستدل من لم يوجبه بأنه في معنى الهبة، والهبة لا تلزم إلا بالقبض عند الجمهور وعند المالكية تلزم قبل القبض) اهـ.

وأدلة القول الثاني: الإلزام به: النصوص المتقدمة، ومنها أيضا حديث " الْعِدَةُ دَيْنٌ " رواه عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا الطبراني في (الأوسط) والقضاعي وأبو نعيم، والبخاري في: (الأدب المفرد) ، والديلمي، والخرائطي في (مكارم الأخلاق) وأبو داود في (المراسيل) ، وابن أبي الدنيا في (الصمت) ، وغيرهم جميعهم بألفاظ متقاربة وأسانيده لا تخلو من ضعف (٢) .

وأما القول الثالث بالتفصيل (٣) : إن احتمل ورطة ألزم به قضاء وإلا فلا، فحجته عموم حديث رفع الضرر في قوله صلى الله عليه وسلم ((لا ضرر ولا ضرار)) .

قال شيخنا الأمين رحمه الله تعالى في (أضواء البيان) بعد أن ساق الخلاف محررا: (الذي يظهر لي في هذه المسألة، والله تعالى أعلم أن إخلاف الوعد لا يجوز لكونه من علامات المنافقين؛ ولأن الله يقول {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: ٣] وظاهر عمومه يشمل إخلاف الوعد، ولكن الواعد إذا امتنع من إنجاز الوعد لا يحكم عليه به ولا يلزم به جبرا، بل يؤمر به ولا يجبر عليه؛ لأن أكثر علماء الأمة على أنه لا يجبر على الوفاء به لأنه وعد بمعروف محض، والعلم عند الله تعالى) اهـ.


(١) المغني ٤/٥٩٤. الأذكار للنووي ص/٢٧٠. ورسالة الشيخ الأشقر: بيع المرابحة ص/٢٥، ٤١.
(٢) كشف الخفاء، وفيض القدير، وأضواء البيان ٤/٣٢٣- ٣٢٤، والمقاصد الحسنة للسخاوي وقد أفرد هذا الحديث بجزء كما ذكره في: المقاصد. وفي تاج العروس للزبيدي في مادة (وعد) ذكر اسمها (التماس السعد في الوفاء بالوعد)
(٣) فتح الباري: ٥/٢٢٢، ٢٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>