للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأس المال، ماهية رأس المال:

إن المقصود برأس المال، هو ما يلزم المشتري بالعقد لا ما نقده فيما بعد، وذلك لأن المرابحة بيع بالثمن الأول، والثمن الأول هو ما وجب بالبيع، فأما ما يدفعه بعد ذلك فإنما وجب عليه بعقد آخر، وهو الاستبدال، ونعني به أخذ مال بدل مال آخر، فالمشتري الثاني ملزم بدفع ما وجب بالعقد لا المدفوع بعده، هذه وجهة نظر الحنفية (١) . وبناء على ما قالوه: لو اشترى رجل سلعة بمائة درهم ونقد مكانها عشرة دنانير أو أعطاه دابة بدل السلعة، فرأس المال هو المائة درهم لا الدنانير ولا الدابة؛ لأن الدراهم هي التي وجبت بالعقد، والدنانير أو الدابة بدل عن الثمن الواجب (٢) ، وبهذا قالت الزيدية أيضا، مدللين على رأيهم: بأن المبلغ المتفق عليه في العقد معلوم، والعرض المدفوع بدله، عقد منفصل (٣) .

وقد خالف المالكية وجهة نظر الحنفية والزيدية هذه، حيث اعتبروا المدفوع هو رأس المال سواء كان ما اتفق عليه في العقد أو فيما اصطلح عليه فيما بعد، إذا كان نقدا من النقود. إلا أنهم اشترطوا على البائع بيان ذلك للمشتري، فقد جاء في المدونة إن الإمام مالك سئل عن رجل اشترى سلعة بمائة دينار فأعطى عوض المائة ألف درهم، فهل يجوز للبائع بيع السلعة مرابحة على الألف درهم؟

فأجاب رحمه الله بالجواز على أن يوضح البائع ذلك للمشتري، وعندئذ لا فرق بين أن تكون الدنانير أو الدراهم هي رأس المال إذا رضي المشتري بذلك (٤) .

ولو أن المشتري دفع عروضًا بدل الثمن نقدا، فإذا أراد بيع المبيع مرابحة، فهل يجوز له أن يجعل العرض نفسه ثمنا أم لا بد من جعل النقد هو الثمن؟

اختلفت المالكية في هذه المسألة على رأيين:

أحدهما لابن القاسم ويقضي بأنه لا بأس في ذلك إذا بين البائع ماهية العرض وصفته بأن يقول للمشتري: أبيعك هذه السلعة بربح كذا وكذا ورأس مالها عربة صفتها كذا وكذا وعندئذ يستحق العربة المذكورة وما سمى من الربح.

أما لو أراد أن يجعل قيمة العربة هذه هي الثمن، فلا يحل له ذلك، وقاس ابن القاسم جواز بيع المرابحة بهذه الصورة على ما لو اشترى رجل سلعة بطعام، فللمشتري بيعها بطعام إذا وصف ذلك.

الرأي الثاني وهو لأشهب، ويقضي بعدم جواز البيع مرابحة في الصورة مدار البحث؛ لأن المسألة تؤول إلى بيع ما ليس عنده وهذا لا يجوز، مبرهنا على ذلك بقوله: إن البائع قد باع سلعته بطعام أو بعرض، وليس في ملك المشتري أحد منهما، فصار البائع كأنه اشترى من المشتري بسلعته ما ليس عند المشتري، فيصبح كأنه باع ما ليس عنده، وذلك غير جائز (٥) .


(١) انظر البدائع ٣١٩٧/٧ وما بعدها
(٢) انظر البدائع ٣١٩٧/٧ وما بعدها
(٣) انظر البحر الزخار ٣٧٩/٤
(٤) انظر٢٣٠/٤
(٥) انظر المدونة ٢٣١/٤

<<  <  ج: ص:  >  >>