للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرأي المختار:

من خلال عرضنا لرأي الفقهاء في هذه المسألة، يترجح لنا رأي المالكية؛ لأن الثمن المدفوع إذا كان نوعا من النقود فلا ضير من استبداله بنقد آخر.

وإذا كان المدفوع عرضا وقد رضي الطرفان باعتباره ثمنا، فلا بأس في ذلك أيضا؛ لأن المحذور التدليس على المشتري وهذا ينتفي عند بيان الأمر له ورضاه به.

حكم الزيادة والحطيطة في ثمن المبيع:

لو أراد المشتري أن يزيد في ثمن السلعة المباعة، أو أراد البائع أن يحط من ثمنها شيئا، فإذا بيعت تلك السلعة مرابحة، فهل تعتبر الزيادة والحطيطة من الثمن، أم الثمن هو ما اتفق عليه أولا؟

الجواب على هذا: إن الزيادة والحطيطة إذا وقعت في مدة الخيار، لحقت بالعقد؛ لأن الثمن غير مستقر زمن الخيار، فإذا ما انتهى الخيار لزم العقد واستقر الثمن.

أما لو وقعت الزيادة أو الحطيطة بعد إبرام العقد ولزومه، فقد اختلف الفقهاء على رأيين:

١- ذهب أصحاب الرأي الأول إلى القول: بأن الحط أو الزيادة كما تلحق بأصل الثمن في مدة الخيار كذلك تلحق به بعد مضيه؛ لأن كلا منهما يلحق بأصل العقد، فيصير التقدير كأن التعاقد قد تم على أصل الثمن مع الزيادة جميعا، فتصبح الزيادة والأصل رأس مال المبيع، لوجوبهما بالعقد تقديرا، فيباع المبيع مرابحة عليهما، وكذلك يعتبر الباقي بعد الحط رأس مال المبيع أيضا.

هذه وجه نظر الحنفية (١) ، ورواية عن الحنابلة (٢) ، وبه قالت الزيدية أيضا (٣) ، وهذا كما يبدو لي رأي المالكية، بناء على قولهم: بأن اللاحق للبيع كالواقع فيه (٤) .

٢- ذهب الحنابلة في رأيهم الثاني إلى عدم إلحاق الزيادة في الثمن أو الحط منه بأصل العقد بعد لزومه؛ لأنها تعتبر من قبيل الهبة أو الإبراء، لا العوض، هذا هو رأي المذهب عندهم وعليه أصحابهم (٥) وهذه وجهة نظر الشافعية (٦) ، والإمامية أيضا (٧) .

والرأي الأخير هو الراجح عندي، لما قالوه من أن الزيادة أو الحط في هذه الحالة تعتبر من قبيل الهبة أو الإبراء؛ ولأن الثمن يستقر بعد لزوم العقد، فلا تلحق به الزيادة أو الحطيطة بعد ذلك.


(١) انظر الكاساني في البدائع، ٣١٩٨/٧
(٢) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف ٤٤٣/٤
(٣) انظر البحر الزخار ٣٧٩/٤
(٤) انظر الشرح الكبير للدردير ١٦٥/٣
(٥) انظر ابن قدامة في المغني ١٣٧/٤
(٦) انظر مغني المحتاج ٧٨/٢ والشيرازي في المهذب ٢٨٩/١
(٧) انظر مفتاح الكرامة ٤٩١/٤

<<  <  ج: ص:  >  >>