للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكم ما لو استغل المشتري المبيع:

إن كلامنا عن النماء المنفصل عن المبيع وجواز أخذه من قبل المشتري الذي يعتبر بائعًا في العقد الجديد دون بيان ذلك أو عدم جوازه، دعانا للخوض فيما أثاره الفقهاء بخصوص استغلال المبيع، وذلك كأن تكون العين المتعاقد عليها دارًا فأجرها المشتري أو سكنها فترة من الزمن، أو دابة فكراها للغير أو شاة حلوبًا فاستفاد من لبنها مدة بقائها عنده، فهل يجوز والحالة هذه بيع تلك العين مرابحة دون بيان ما استفاده المشتري منها أم لا؟

الجواب على ذلك: إن الشيء المستفاد من العين المبيعة لا يخلو من أحد أمرين، لأنه إما أن يكون موجودًا أثناء العقد الأول أم لا، فإن كان موجودًا في العقد الأول وذلك كالصوف فوق ظهر الحيوان أو اللبن الموجود في ضرعه، ففي هذه الحالة إذا استغل المشتري المبيع، فالواجب يقضي عليه بيان ذلك للعاقد الجديد، لأن المبيع قد تغير بعد ذلك إلى حالة أنقص من الحالة الأولى، ولما كانت المرابحة مبنية على الأمانة ونفي التغرير بالمشتري والتدليس عليه، وجب توضيح ذلك له.

هذا ما ذهب إليه الحنابلة (١) والحنفية (٢) والمالكية، (٣) وقد ذهب الشافعية إلى أكثر من هذا، حيث ألزموا البائع في هذه الحالة أن يحط من ثمن المبيع بقدر قيمة ما استفاد منه، حجتهم في ذلك: أن العقد الأول قد تناول هذه الغلة وقابله قسط من الثمن، فوجب إسقاط ما قابله، (٤) وهذه وجهة نظر الإمامية (٥) وبه قالت الزيدية أيضًا (٦)

أما لو كان المستغل من المبيع قد حصل في ملك المشتري، فلا يحط مقابل ذلك شيئًا من الثمن ولا يجب على البائع إطلاع المشتري على الشيء الذي استفاده من المبيع، دليل ذلك هو:

١- إن الزيادة التي لم تتولد من المبيع لا تعتبر مبيعة، وعلى هذا جاز للمشتري رد المبيع إذا اطلع على عيب فيه.

٢- إن المشتري في حالة بيعه المبيع بعد استغلاله لم يكن حابسًا لجزء منه كي نشترط عليه بيان ذلك. (٧)

٣- إن العقد الأول لم يتناول الزيادة الطارئة، فلا يشترط بيانها في العقد الجديد (٨)

٤- إن الغلة المستفادة من المبيع، يقابلها ضمان المستفيد. (٩)

هذه وجهة نظر الحنفية (١٠) والشافعية (١١) والصحيح من مذهب الحنابلة، (١٢) وبه قالت الإمامية (١٣) والزيدية. (١٤)

أما المالكية فقد فرقوا بين ما إذا كانت مدة الاستفادة قصيرة أو طويلة، فإن كانت المدة قصيرة فالرأي عندهم مثل ما قاله الآخرون في عدم اشتراط بيان الغلة المستفادة من المبيع، أما لو طالت المدة فالواجب على البائع بيان ذلك للمشتري، معللين ذلك، بأن سعر المبيع يختلف في هذه الحالة لاختلاف الأسواق، لذا ينبغي توضيح الأمر للعاقد الجديد. (١٥)


(١) انظر ابن قدامة في المغني ٤/١٣٨
(٢) البدائع٧/٣٢٠١
(٣) المدونة ٤/٢٢٨ وانظر الخرشي ٥/١٧٦
(٤) المهذب ١/٢٨٩
(٥) مفتاح الكرامة ٤/٤٩٠
(٦) البحر الزخار ٤/٣٧٨
(٧) البدائع ٧/٣٢٠١
(٨) المهذب ١/٢٨٩
(٩) الخرشي ٥/١٧٨
(١٠) البدائع ٧/٣٢٠١
(١١) المهذب ١/٢٨٩
(١٢) الإنصاف ٤/٤٤٣ وانظر ابن قدامة في المغني ٤/١٣٧
(١٣) مفتاح الكرامة ٤/٤٩٠
(١٤) البحر الزخار ٤/٣٧٨
(١٥) المدونة ٤/٢٢٨

<<  <  ج: ص:  >  >>